يواجه التعليم العالي في عصرنا الحاضر كثيراً من التغيرات والتحديات، والقوى التي تفرض عليه واقعاً جديداً، وتتطلب منه الدخول في مرحلة من التطور والتغيير. لقد تغيرت متطلبات سوق العمل، وأصبح هناك مناداة عالية ومتزايدة من أرباب العمل بالحاجة إلى وجود خريجين يملكون مهارات العمل الأساسية، ومهارات العلاقات الشخصية، ومهارات التفكير الناقد، والابتكار، واتخاذ القرار، ولديهم فهم للعالم من حولهم، ويمكنهم التعامل بفاعلية مع الثقافات المختلفة المحيطة بهم. إلى جانب هذا هناك منادة بالتحسين الجوهري في جودة البرامج الأكاديمية، والمحاسبية المؤسسية، لوجود دلالات كثيرة على أن مؤسسات التعليم العالي في البلاد العربية لم تأخذ مسؤولياتها بجدية في الالتزام القوي بجودة عملية التعلم والتعليم. وتحد آخر يواجه مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي خلال العقدين الآخرين - بجانب الزيادة المطردة في أعداد الطلاب - هو تنوع هذه الأعداد فيما يتعلق بالعمر والجنس، والمهارات، والخلفيات الثقافية. إذ إن أكثر من 50% من طلاب التعليم العالي إناث، وكثير من الطلاب الذين يلتحقون بمؤسسات التعليم العالي يفتقدون إلى مهارات أساسية ومهمة في التعليم. وهناك عملان آخران يشكلان ضغطاً كبيراً على مؤسسات التعليم العالي للتغيير: أحدهما: العولمة، فهناك أربعة اتجاهات وتحديات فرضتها العولمة على التعليم العالي هي: 1- أن التعليم لم يعد له حدود، فالطلاب قادرون على تلقي تعليمهم في أي مكان في العالم سواء بالحضور الشخصي أو عبر الانترنت. 2- في عالم العولمة ازدادت المنافسة، وأصبح لدى الطلاب خيارات متعددة حول نوع المؤسسة التي يرغبون الالتحاق بها، وحول نوع الدراسة أو التدريب الذي يرغبون فيه. 3- العولمة أضعفت الدعم الحكومي وزادت من أهمية الخصخصة، وأصبحت مؤسسات التعليم العالي مطالبة بزيادة دخلها من مصادرها الخاصة، ونتيجة لذلك أصبحت الفروق بين مؤسسات التعليم العالي الحكومية والأهلية واضحة على نحو متزايد. 4- تحول مؤسسات التعليم العالي من المركزية إلى اللامركزية، أي التحول من النمط الإداري التقليدي (الذي يركز فيه عادة على العمل الفردي) إلى النمط الإداري الحديث (الذي يعتمد على العمل المؤسسي من خلال فرق العمل)، ونتيجة لذلك زادت المطالبة بمشاركة الجميع في التخطيط والإدارة واتخاذ القرار ومن بينهم أعضاء هيئة التدريس والطلاب. والتزام مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي بالإدارة التقليدية أحدث فجوة بين ما يدور داخلها وما يجري خارجها. العامل الثاني: الدور المهم الذي تضطلع به وكالات الاعتماد الأكاديمي في دعم التغيير، من خلال المطالبة بصياغة نتائج التعلم المتوخاة، وايجاد الدليل والمؤشرات على أن الأهداف التعليمية قد تم تحقيقها. وهناك ضغوط متزايدة على الهيئات والجمعيات والوكالات التي تحدد المعايير للتركيز على نتائج التعلم والمحاسبية والمؤسسية، لأن كثيراً من السياسيين والمهنيين ينظرون إلى الاعتماد الأكاديمي على أنه وسيلة لتحقيق مستوى جوهري من التغيير. وهذه المطالبة الجدية الجديدة بالجودة الأكاديمية حولت الاعتماد من مجرد نشاط يقوم به عدد قليل من الإداريين إلى عملية يشارك فيها كل عضو من أعضاء هيئة التدريس والإداريين. وعلى الرغم من أن تلك الضغوط كثيفة ومتزايدة ومن غير الممكن تجاهلها، إلا أن ردود الفعل تجاه هذه الضغوط من بعض مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي لا زالت متواضعة، والأسباب في ذلك كثيرة. ولعل من أبرز الحلول وأهمها لمواجهة تلك التحديات هو تنمية وتطوير الإنسان الذي يعد السبب الرئيس في التقدم والتخلف. لذا بات من الضروري السعي لتنمية مهارات العاملين في مؤسسات التعليم العالي في مختلف الأدوار التعليمية والإدارية، على النحو الذي يمكنهم من الاضطلاع بأدوارهم ومسؤولياتهم، إضافة لتعزيز دورهم الفاعل في تحقيق الجودة. واستحداث تخصصات جديدة تتناسب مع متطلبات العصر مع الحرص على تخريج كوادر تمتلك المهارات اللازمة للتعامل مع كافة مستجدات العصر ومتغيراته. المطلوب - بعد ذلك - من جميع الجامعات أن تفكر جدياً بواقعها، ومراجعة مناهجها، وربط التخطيط بالتقويم بحيث يكون التطور والنمو السمة السائدة في أعمالها. وعموماً فإن النهوض بالتعليم العالي في العالم العربي يتطلب تحديد أهم التحديات التي تواجهه، وتحديد كيفية التعامل معها برؤى واضحة، وخطط استراتيجية قابلة للتطبيق. المشرف على إدارة الجودة والاعتماد الأكاديمي