قد لا تصدق عزيزي القارئ إذا قلت ان العديد والعديد من المرضى يأتي إلى العيادات النفسية لمجرد التنفيس عما يجول في خاطره من هموم، ولكي يجد فقط شخصا ينصت اليه! لدرجة ان البعض من الزملاء غير الواعين لهذا الأمر يرى اما إنهم "فاضين" او في أحسن الأحوال "يضيعون اوقاتنا"، ناسين او متناسين ان التنفيس علاج لما في القلوب. وفي اعتقادي الشخصي انه لو كان في المنزل من يستمع إلى هؤلاء الأعزاء لما لجأوا إلى المعالج النفسي. بل إنني أرى ان من يلجأ إلى العيادة النفسية هو في واقع الأمر متوافق مع نفسه، والا فهناك البعض من الناس من ينفس عن همومه بعلاقات مشبوهة، او بنقاشات جوفاء لا طائل منها. بل انك عزيزي القارئ عندما تتنقل عبر القنوات الفضائية والإذاعات المحلية والعربية والأجنبية تجد ان جل او كل من يشارك في تلك القنوات هم من أبناء جلدتنا، لدرجة إننا نجزم ان تلك القنوات "تقتات" على مكالمات أبنائنا، ولو قدر ان وضعت استراتيجية لإيقاف أبنائنا من المشاركة عبر تلك القنوات لسقط ثلاثة أرباع تلك القنوات في غضون شهور!! والتنفيس كتب عنه الكثير في العديد من الدول المتقدمة وغير المتقدمة، بل ان مداخيل المعالجين النفسيين في بلد مثل أمريكا تعادل او تزيد عن مداخيل جراحي التجميل. جل تلك المداخيل تأتي من مهارة "الإصغاء" التي يمارسها المعالج النفسي مع مرضاه. هناك قصة حقيقية عن الإصغاء ترجمت إلى فيلم. تتحدث هذه القصة عن شاب أمريكي تحول من "عامل لغسيل الصحون بأحد المطاعم" إلى "معالج نفسي شهير"، والسبب وراء ذلك ميزة يتمتع بها هذا الشاب وهي التمتع بقدر عال من الإصغاء. وتدور القصة حول شاب كلما دخل في مهنة فشل فيها، إلى ان اهتدى إلى مهارته الذاتية والتي حولته إلى مليونير. اكتشف هذا الشاب ان الكثير من زملائه وأصدقائه تحل مشاكلهم بمجرد طرحها عليه. فعلى سبيل المثال امرأة تعمل معه بالمطعم بثت له همومها ومشاكلها المستمرة مع زوجها، وأخرى مشكلتها مع والديها، وكان دوره في كل مرة الإصغاء والإصغاء فقط مع استخدام تعابير الوجه، بحيث انها لو دمعت عيناها تدمع عيناه هو الآخر، وإذا ضحكت، فرح لفرحها. وفي كل مرة يكتشف ان أحوال من يشتكي له تتحسن رغم انهم لم يطلبوا المساعدة من معالج نفسي، ولم يحدث تطور في تلك المشاكل! ولكنه اكتشف مع مرور الوقت ان التحسن ناتج عن "الفضفضة" وأسلوب الإصغاء الذي اتبعه معهم. استمر الامر معه كلما قابل زميلاً او صديقاً لديه هموم او مشاكل، إلى ان طرأت عليه فكرة التحول إلى معالج نفسي! عندها قام بتزوير شهادة معالج نفسي، وترك البلدة التي كان يقطنها، حتى يبدأ حياة جديدة، والقصة طويلة. الغريب في الامر انه ان اكتشف امره ورفعت أوراقه للمحكمة خفف الحكم عليه بسبب وقفة المرضى الصارمة معه بسبب قدرته على العلاج رغم انه لم يكن متخصصاً ولكنه يملك مهارة "الاصغاء" لمرضى يحتاجون إلى من يستمع لهمومهم ومشاكلهم! @ استشاري نفسي - أستاذ مساعد بكلية الطب