قبل بضعة أيام كنتُ في مطار جدة في القاعة الخاصة بإنهاء إجراءات السفر للرحلات الداخلية، وفجأةً سمعتُ صرخة تبعها وقوع رجل في منتصف العمرعلى الأرض، وكان وقوعه ارتطاماً قوياً، وبدأت يداه وقدماه بالاهتزاز بحيث تتحرك بصورة مُنتظمة وانحنى جسده، وبدأ صراخه ورغوة تظهر من فمه. وبما أننا كناّ في الصباح الباكر والكل في عجلةٍ من أمره، ولكن تجمّع الناس على المريض المصروع. ولم تتوقف الحركات بينما الناس تكوّموا عليه ويدعون بأدعية دينية، ويبدو بأن أحد الأخوة العرب كان طبيباً وحاول أن يتدّخل لمساعدة المريض ولكن شخصاً يرتدي ملابس غريبة جاء حيث ينتفض المريض في نوبة الصرع وقام بإبعاد الآخرين، وأخذ يؤذن بصوتٍ عالٍ كأنما هو في مسجد. ونظراً لقرب موعد طائرتي إلى الرياض فقد تركت المكان والرجل لا يزال يؤذن بصوته الجهوري، وسمعت من يقول بأن المريض مصروع بسبب الجن وإن الأذان ربما يُخرج الجن من الرجل المصروع!. ليس لدّي إعتراض في أنه قد يكون هناك صرع بسبب الجن أو الشياطين، ولكن النوبة التي رأيت الرجل المصروع، هي من نوبات الصرع الكبرى، والحركات كانت مثلما يدرسها طلبة كلية الطب، فالمريض وقع مُرتطماً بالأرض، مع صرخة وتحشرج في الصوت، ورغوة من فيه، وحركات يديه وقدميه بصورة مُنتظمة بشكلٍ تخشبي والذي يُعرف في الطب (Tonic colonic movement)، لأ أدري ماذا حدث للرجل المصروع، فقد تركت المكان وعقلي مشغولٌ بما حدث قبل صعودي الطائرة. إن مرض الصرع مرض مُنتشر في العالم، وتقريباً نسبة الإصابة بمرض الصرع تصل إلى ما يُقارب 2%، وهي نسبة عالية. والصداع له أنواع مُتعددة، وهو مرض عضوي ينتج عن إختلال كهرباء الدماغ، والآن أصبح هناك تقدّم كبير في السيطرة على مرض الصرع بكافة أنواعه . ويجب على مريض الصرع أن يحرص بكل دقة على استخدام الدواء حسب وصف الطبيب، وكذلك يتبّع تعليمات الطبيب المُعالج في كل ما ينصحه الطبيب بالنسبة لكل سلوك يقوم به. أهم هذه الأمور هو تعاطي الدواء، وعمل فحوصات لمستوى هذا العلاج في الدم (إذا كان الدواء يحتاج إلى مثل هذه الفحوصات) وعدم التلاعب بجرعات الأدوية التي يصفها الطبيب أو ايقاف العلاج دون استشارة الطبيب، لأن هذا الأمر له مضاعفات كارثية، حيث قد يعود المرض بصورة شديدة، وقد يُعرّض الشخص المريض بالصرع حياته للخطر. فربما يحدث للشخص المريض بالصرع أن يُصاب - كما حدث لمريض مطار جدة - أن يدخل في مرحلة خطرة وهي استمرار نوبة الصرع ولا تتوقف وتُعرف هذه الحالة ب (Status Epilepticus)، وهذه حالة خطرة قد تقود إلى الوفاة. المشكلة أن هناك قلة وعي، وعدم ثقافة عن هذا المريض الخطير والمنُتشر بكثرة بين عامة الناس، لذلك فإن نسبة كبيرة من عامة الناس يعتقدون بأن الصرع هو بسبب الجن أو الشياطين . وكثيراً ما يأخذ الأهل الشخص المريض بالصرع إلى المعالجين الشعبيين، ومن يدّعي إخراج الجن، ولكن الواقع أن هذا المرض هو مرض عضوي لا يختلف شخصان على ذلك من الأشخاص المتعّلمين - أرجو أن لا يخيب ظني! -، ويجب أن لا يضيّع الأهل الوقت بأخذ ابنهم أو ابنتهم إلى المعالجين الشعبيين أو الأشخاص الذين يدّعون بأن هذا الصرع سبب الجن، ويقومون بطقوس لإخراج الجن من جسد المريض الصرع، والأسوأ إذا كان من يدّعي أنه يقوم بضرب المريض لإخراج الجني، وربما سببّ ضرراً جسدياً كبيراً للمريض أو المريضة، وهناك حوادث في مثل هذه الأمور فقد المريض حياته عندما كان يُخرج المُعالج الجني من جسد المريض، وقد تكرر عدة مرات في عدة مدن من المملكة. إن أكثر ما فكّر فيه الناس لما حدث للرجل في مطار جدة هو أن الرجل المصروع كان بسبب الجن وبالتالي قاموا بمحاولة علاجه وفق ثقافتهم. آمل ان يكون المريض قد تخطى النوبة التي مرّ بها، وآمل أن تكون هناك جهات تثقيفية عن هذا المرض بصورةٍ أكبر .