* ستحفل صالات السينما الأمريكية والعالمية طوال الأربعة أشهر القادمة، ابتداء من أكتوبر الحالي وحتى يناير المقبل، عناوين أفلام ضخمة، بنجومها وقضاياها، ومن يقف خلفها من مخرجين كبار، ويمكن اعتبار أفلام شهر أكتوبر، كأنموذج حي وقريب، للحضور القوي لمخرجين يتوقع منهم الكثير. ويمثل شهر أكتوبر، إذا ما أردنا استعراض أهم أفلامه بالتفصيل، بداية تفاؤلية للسينما الأمريكية التي بالكاد خرجت من أزمة إضراب الكتاب في العام الماضي، وباحتواء أكتوبر على أسماء نجوم لامعة في عالم التمثيل والإخراج، بإمكاننا القول إن هذا العام سيكون أحد أفضل أعوام السينما الأمريكية في تحقيقها للأرباح، إذا ما أخذنا في الاعتبار الأرقام القياسية التي تم تحطيمها هذا الصيف. الأسبوع الأول بداية هذا الشهر كانت مع فيلم شبه مستقل يقف خلفه مخرج ذو سمعة ستطارده كثيراً إذا ما خيب ظن الجمهور، لأن "جوناثان ديمي" مخرج الفيلم الأوسكاري الشهير (صمت الحملان-The Silence of the Lambs) أبعد ما يكون من أجواء الكوميديا الرومانسية الخفيفة التي توفق في نيل الرضا بين النقاد والجمهور، مع أن الجماهير ستكون راضية لا محالة بأداء الشابة "آن هاثواي" الذي راج جماله في ممرات مهرجان البندقية وتورنتو حيث حظي الفيلم الجديد (راتشيل جيتينق ماريد-Rachel Getting Married) هناك بآراء نقدية متفاوتة. في نفس اليوم الذي وقفت فيه الجماهير العريضة لحجز تذكرتها لفيلم "جوناثان ديمي" وقف عدد قليل من الجمهور أمام الصالات التي عرضت فيلم (عمى-Blindness) وهو الذي كان فيلم الافتتاح لمهرجان كان السينمائي الأخير والمقتبس من رواية جوزيه ساراماغو غير القابلة للتحويل السينمائي، على الأقل وفقاً للإخفاق الذي اتهم النقاد فيه صاحب الفيلم المخرج البرازيلي "فيرناندو ميريللس" في تخبطه ما بين التوفيق بين العمق الفلسفي والإثارة المفتعلة لحكاية مدينة تصاب بالعمى إلا امرأة واحدة، والتي أدت دورها الممثلة القديرة "جوليان مور". الأسبوع الثاني في العاشر من أكتوبر اكتظت صالات السينما بالمعجبين بالنجمين رسل كرو وليوناردو دي كابريو واللذين يلعبان بطولة فيلم (بودي اوف لايز-Body of Lies) للمخرج الشهير "ريدلي سكوت" صاحب العلاقة الجيدة مع الأوسكار في ما يخص نيل ممثليه على ترشيحات مضمونة. وإذا ما كان أحد يعتقد بأن الفيلم يحتوي على عناصر نجاح شبه مضمونة، فمن الأفضل معرفة أن من يقف خلف السيناريو هو ويليام مونهان الفائز بالأوسكار عن سيناريو فيلم (ذا ديبارتد) لسكورسيزي، والذي إذا ما حافظ على مستوى إثارة نصه السابق سيضمن بكل تأكيد دخول سباق الجوائز في نهاية السنة، خاصة وأن الفيلم ذو نفحة سياسية شديدة، كيف لا والفيلم يدور حول محققين يبحثان عن قائد منظمة إرهابية في الأردن. وإن كان فيلم ريدلي سكوت ذا توجه سياسي فإنه على الأقل ليس بالصراحة التي يبديها أوليفر ستون بفيلمه (دبليو-W.) عن حياة الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش، خاصة وأن الفيلم طرح في صالات السينما في وقت قريب من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وهذا بالتأكيد ليس محل مصادفة على الإطلاق!. يطمح ستون في هذا الفيلم من الاقتراب مما حققه في السابق من إنجازات في عالم السينما الأمريكية السياسية بأفلام مثل "نيكسون" و"جي اف كي" التي كانت موضع جدل دائم، لكنه في "دبليو" وبناء على تصريحاته فإنه لن يتبنى وجهة نظر تحيزية، بل سيقدم سيرة شخصية عن رجل تحول من إدمان الكحول إلى أن أصبح أقوى رجل في العالم. ومع طرافة أن الفيلم يمثل الأول من نوعه الذي يقدم سيرة رئيس أمريكي لازال في منصبه فإن فيلماً يستعرض حياة الرئيس بوش لابد وأن يكون فيه نفحة كوميدية، لذلك فإن ستون نفسه يعقد مقارنات منذ الآن بين فيلمه وفيلم كويبريك الشهير بتهكمه السياسي وسخريته اللاذعة (دكتور سترانجلوف). وبعد أن كان دور الرئيس الأمريكي سيكون من نصيب "كريستسان بيل" ذهب في آخر لحظة للممثل "جوش برولين" الذي قدم أداء مذهلاً العام الماضي في (لا وطن للعجائز) و(اميركن غانغستر) ليصبح دوراً محورياً قد لا تتمكن أكاديمية الأوسكار من غض نظرها هذه المرة عنه. وستقوم العريقة إيلين بريستين بأداء شخصية باربرا بوش. الأسبوع الثالث في الرابع والعشرين من أكتوبر فقط، كانت هناك ثلاثة أفلام أحدثت ضجة كبيرة، أولها فيلم كلينت إيستوود الأخير المشارك في مهرجان كان (شينغلينغ -Changeling) بقيادة إنجلينا جولي بدور أم تعيش في العشرينيات الميلادية تعثر على ولدها المفقود لتبدأ في مطاردتها العديد من التساؤلات التي تقودها للتصادم مع العديد من المؤسسات القانونية. يكاد يكون الفيلم هو الأقوى حظاً حتى الآن في دخول الترشيحات الأولية لجوائز الأوسكار، وذلك لصعوبة تفادي أي فيلم يقدمه "إيستوود" من جهة، ولكون الفيلم عصف أذهان النقاد في مهرجان كان السينمائي. الفيلم الثاني هو (برايد اند غلوري-Pride and Glory) من بطولة النجمين "إدوارد نورتن" و"كولين فاريل"، في ثنائية ستجبر الجماهير على عقد مقارنات مباشرة بينهما وبين ثنائية "رسل كرو" و"دي كابريو"، خاصة وأن الفيلم من أفلام الجريمة والإثارة التجارية عن قصة ضابط شرطة "نورتن" على وشك كشف فضيحة في دائرته البوليسية ستلحق الكثير من الأذى بعائلته وأصدقائه. أما الفيلم الثالث الذي عرض في الأسبوع الثالث من أكتوبر الحالي فهو أيضاً أحد الأفلام التي كانت قد شاركت في المسابقة الرسمية في مهرجان كان هذا العام وهو للسيناريست الشهير "شارلي كوفمان" الذي أصابته موجة الكتاب الذين توجهوا للإخراج السينمائي إذ قام بإخراج هذا الفيلم بعنوان (سانديكيت، نيويورك-Synecdoche، New York) من بطولة "فيليب سيمور هوفمان" الذي أصبح مؤخراً ينال ترشيح أو اثنين في كل عام. يقوم هوفمان في الفيلم بتأدية دور مخرج مسرحي يعاني ما بين أعماله والنساء في حياته، وإن كان الدور مناسباً بشدة كبيرة ل "هوفمان" إلا أنه من المبكر جداً إطلاق تكهنات تتعلق بترشيحه للأوسكار القادم. إلا أن الثابت عن "هوفمان" أنه لم يخيب الآمال أبداً، كما أن مجرد وجود اسم "كوفمان" كمخرج للمرة الأولى في مسيرته السينمائية يبقى سبباً مقنعاً لمتابعة ما قد يفعله صاحب (إيترنال سنشاين أوف ذا سبوتلس مايند-Eternal Sunshine of the Spotless Mind).