"في العام 1951وفي القاهرة تحديداً تم إنشاء دار التقريب بين المذاهب الإسلامية كان سكرتيرها آنذاك سماحة الشيخ تقي القمي وهو من كبار علماء الشيعة في إيران وقد شاركه في هذه الدار عدد من علماء السنة انذاك على رأسهم شيخ الأزهر عبد المجيد سليم وآخرون..." هذه الدعوة لقيت انتقادات كبيرة من أهمها أن متعصبي الطرفين ظنوا أن كل طرف يسعى إلى نشر مذهبه على حساب الطرف الآخر وقد كانت تلك إشكالية كبرى دائماً يذهب ضحيتها المسلمون البسطاء وعانى منها المسلمون حتى يومنا هذا. في هذه الأيام وبعد مرور عقود طويلة تدور رحى الخلاف مرة أخرى بطبيعة سياسية وليست فقهية كما يبدو وهنا تبدو الإشكالية الكبرى حيث يقف المسلم الحقيقي في حيرة من أمره. في الواقع لا اعلم سببا لأسلمة المسلمين مرة أخرى فالدعوة إلى الإسلام تتم بين غير المسلمين ولكن أن يتحول صراع المذهب لجذب اكبر عدد من الأتباع بين المسلمين أنفسهم فهذه إشكالية جديدة. ليس لدي شك بأن المتطرفين من الجانبيين لهم دور بارز في حياكة الخلاف بصورته المحزنة، وخصوصا أن الكثير من العامة من أتباع المذاهب الإسلامية على اختلاف أشكالها وألوانها من العامة الذين ليس لهم دور في القضية إنما هم ضحايا لا حول لهم ولا قوة. ومما ذكره رجب البناء في كتاب له حول الشيعة والسنة أن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية وضعت قانونا لكيفية أدائها لعملها وقد جاء فيه "أن جماعة التقريب لا تريد المساس بالفقه الإسلامي، ولا إدماج مذاهبه في بعضها، بل ترى على النقيض من ذلك أن هذا الاختلاف الفقهي مفخرة للمسلمين ودليل خصوبة في التفكير وسعة الأفق" انتهى كلام المؤلف. في هذه الأيام يسود خلاف بين الأمة الإسلامية تقوده فيما يبدو السياسة وليس الفقه يقود المسلمين إلى قضية صراع داخلي سوف يقوض هذه القوة في الاختلاف وخاصة إذا فهمنا أن الاختلاف السائد بين اكبر مذاهب الإسلام انتشارا في العالم ليس اختلافا على أصول الدين وخاصة الاتفاق على أركان الإسلام. الجميع يعرف القضية التاريخية لولادة التمذهب في العالم الإسلامي وفي نفس الوقت التاريخ يمنحنا تبريرا دقيقا لكل مذهب من حيث الوجود والنشأة بالطريقة التي نراها في كتب التاريخ اليوم. العامة من المسلمين الذين وجدوا أنفسهم ينشؤون في بيئة مذهب دون آخر ليس لهم الخيار في أمرهم، فهم عرفوا مذهبا عن آخر ولذلك اتبعوه وهذا يعطينا دلالة على أن الكثير من المسلمين من أتباع المذاهب حريصون على سلامة إسلامهم الذي عرفوه وهم يدركون أن التقاءهم مع غيرهم من المسلمين ليس في جانب فرعي بل يلتقون في أصول كبيرة في الإسلام. الجميع يدرك أن المسلمين في كل مكان على اختلاف مذاهبهم يتفقون بشكل مباشر على أصول أساسية ومنها بالتأكيد أركان الإسلام الخمسة والتي تعتبر محورا أساسيا في تقرير الانتماء للدين بأكمله، أضف إلى ذلك أن قضية التمذهب ولدت في القرن الأول من الإسلام واستمرت إلى يومنا هذا منتشرة متعايشة في كثير من حلقات التاريخ، واستمرارها إلى هذا الزمن يعطينا دلالة واضحة على أن وجودها في التاريخ الإسلامي لم يكن حدثا وانتهى بل هي قضية مستمرة وثابتة استطاعت أن تصمد كل هذه القرون وهذا ما يجعلها حقيقة غير قابلة للتجاهل. المسلمون اليوم يتداولون قضية مهمة ذات علاقة بالتبشير بينهم بالمذاهب وهذه إشكالية من الواضح أنها ذات علاقة بمنهجية سياسية أكثر منها فقهية وهنا لب الأزمة التي يجب أن نخرج منها. وبغض النظر عن الذي قال وعن الذين ردوا عليه في قضية التبشير لابد من طرح الأسئلة المهمة والتي ترتبط بقضية التمذهب، فكل بلدان العالم الإسلامي لا تكاد تخلو من مسلمين يعتنقون مذاهب إسلامية مختلفة من أهمها أتباع المذهب السني والشيعي كما لم يخل التاريخ الإسلامي من دول سنية وأخرى شيعية مرت على كثير من مواقع العالم الإسلامي وأقامت فيه عقودا أو قرونا. هذه الدلالة تجعلنا نتساءل عن حقيقة العلاقة بين هذه المذاهب، اعتقد أن اختلاف المذاهب الإسلامية وخاصة في جانبها الفقهي يعتبر واحدا من اقوى مؤشرات تميز الفقه الإسلامي بعيدا عن الآراء المختلفة مع هذا الطرح وإلا لما ولدت المذاهب ولما ولد الأئمة الأربعة الذين يتبعهم اليوم ما يزيد على مليار مسلم في أنحاء العالم. العالم الإسلامي اليوم لم يقف مكتوف الأيدي تجاه قضية التمذهب والعلاقة بينها ولقد كان هناك ادوار كبيرة (للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة حيث عقدت هذه المنظمة ندوات في العام 1991وفي العام 1996في الرباط وهدفت في هذه الدورات إلى معالجة مشكلة التعصب المذهبي التي فرقت المسلمين وقد ألقى فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي ورقة مهمة عكست رغبته في عدم إثارة الفتنة بين المذهبين). إننا أمام تساؤل كبير حول من المستفيد من صياغة خلاف بين مذهبين عظيمين من المسلمين ومن الضحية..؟ لابد لنا أن ندرك من المستفيد مباشرة..؟ لان في اختلاف المسلمين وتناحرهم دائما هناك طرف آخر مستفيد أما الضحية فهذه هي الحقيقة التي يجب أن نقف عندها ونحددها. إن تشويش فكر رجل مسلم بسيط يعبد الله وفق مذهبه الذي نشأ وترعرع عليه يرعى الأغنام في أقصى الشمال أو الجنوب في أي دولة إسلامية لهو الإشكالية الكبرى فهذا الرجل البسيط لا يحتمل شيئا غير معرفة واجباته الدينية فيأتي من يشوش عليه معرفته بدينه وينشر في مساحته الفكرية صورة ضبابية وخصوصا عندما يتم استغلال العامة عبر حاجاتهم البسيطة والدنيوية ليغيروا مسار حياتهم. إنني أعيد واكرر ما ذكره شيخنا الغزالي عندما قال إنني لأشعر بوخزة عندما اسمع (إسلام سني وإسلام شيعي) فله الحق في ذلك وحرب المذاهب في دين واحد دائما يذهب ضحيتها الدين نفسه فيفقد أتباعه ويتناحرون بينهم وقد يصل بهم الأمر إلى استخدام اعنف الطرق والوسائل للانتقام من بعضهم. إن خلاف المذاهب الإسلامية كما يشير الكثير من علماء الأمة وأساتذتها ليس خلافا فقهيا بالدرجة الأولى بحيث يتطلب من احدهم صراع الآخرين ولكن من الواضح أن للظروف السياسية والاقتصادية دورا جوهريا في تأجيج الاختلاف لتظهر على السطح ويكثر تداولها وهنا لابد أن يفترق المسلمون حيث ينزع كل فرد لمناصرة مذهبه وهذا طبيعي. الأخطر في هذه المرحلة أن الإسلام كدين يجمعهم يختفي عندما يتصارعون من اجله ويبرز بدلا عنه خلاف يجتهد كل فرد فيه لنصرة فريقه. الانتشار والتوسع من خلال التبشير بمذهب دون غيره مسألة خطيرة ضحيتها المسلمون دائما فلن يرضى طرف أن يمس الآخرون حماه وليس هناك مذهب بعينه يحتاج إلى دعم وتكثيف إعداده فالجميع لديهم أتباع في كل مكان وهناك دول وأحزاب بعينها تلتزم مذهبا دون غيره، ولهذا فإن متطلبات التعايش تفرض معرفة الحدود الجغرافية والتاريخية لكل فريق.