تحرص وزارة التربية والتعليم على وضع برامج لتهيئة الطلاب والطالبات للعودة إلى مدارسهم، وخصصت برنامجاً لتهيئة الطلاب المستجدين في الصف الأول الابتدائي لاستقبال الحياة الدراسية والتفاعل معها. وهو برنامج مناسب من الناحية النظرية، ولكن واقع الحال العملي في عدد من المدارس الابتدائية يختلف عن فكرة البرنامج التي اعتمدتها الوزارة. فالطلاب يُجمَعون في صالة لمدة أسبوع ويتناوب على الإشراف عليهم أكثر من معلم. وخلال هذا الأسبوع يسمح لأولياء الأمور بمرافقة أطفالهم والجلوس إلى جوارهم، مع أن بعض المدارس وخاصة مدارس البنات تمنع الأمهات من الحضور مع بناتهن في الفصول خشية أن تصبح المعلمة في موضع مراقبة ونقد. وفي آخر يومين يأخذون جولة في المدرسة ويعطون هدايا وتقدّم لهم نصائح وتعليمات لايفهمون أكثرها. أما الجانب النفسي للطفل -الذي يدخل لتوّه إلى هذا العالم الجديد- فلايجد الاهتمام الكافي من المدرسة، فتجد مثلا معلمًا يمشي في الممرات وهو يحمل بيده عصا أو سوطًا مما يثير القلق وربما الرعب في نفوس هؤلاء الصغار خشية أن يكون الضرب متلازمًا مع التعلّم، كما يأتي معلمو الصفوف العليا ليتفرجوا على هؤلاء الصغار بنظرات استكشافية تخلو من البشاشة واللطف. وفي هذا الجو الجديد الذي تلاحقه أعين الصغار، هناك ضحكات متعالية يطلقها بعض المعلمين، وثمة أصوات ترتفع بالخصام والمجادلة حول قضايا يومية يتهاوش فيها المعلمون أمام هؤلاء الطلاب الجدد. ورغم أن هذا سلوك بشري ليس جديدًا على الأطفال بالضرورة، ولكنه يصبح جديدًا ومؤثرًا بسبب ارتباطه بتجربة فريدة، وهي تجربة الذهاب إلى المدرسة لأول مرة. ولنا أن نتساءل عن تفاصيل تلك الصورة التي تدور في مخيلة هؤلاء الصغار بعد أن يروا ويسمعوا صراخ المعلمين ومشاكساتهم، ودلالة تلك الصورة بالنسبة لهم ومايمكن أن تحيل عليه من قيم أخلاقية وعادات سلوكية يمكن أن تنشأ عند الصغار. والحقيقة أن الطفل يعيش حالة تلقٍ غير عاديّة بسبب أن أغلب العناصر التي تحيط به إما جديدة أو غير مألوفة أو ذات علاقات غير مفهومة، ولهذا فإنه يعيش حالة توتّر مأزوم، قد يعبر عن ذلك حسيًا بالبكاء أو الانزواء أو الضجر وقد يكتمه. ولكن تجربته تلك تسجل في ذاكرته إلى الأبد وتترك أثرها على سلوكه وتفكيره في المستقبل وربما تكون عاملا مؤثرًا في رؤيته للمدرسة والتعليم فيها. ومن هنا تبرز أهمية تهيئة الأطفال في الصف الأول الابتدائي تهيئة لاتقتصر على الجانب المادي في التجهيزات والهدايا، بل تشمل كذلك الجانب النفسي والعقلي الذي يؤثر تأثيرًا عميقًا في السلوك وفي بناء القيم لدى الأطفال.