كتبت منذ أسبوع مضى مقالاً تحت عنوان «تأنيث التعليم الابتدائي»، وذلك على خلفية الحوار والنقاش الذي أجرته قناة العربية في برنامج «واجه الصحافة» حول تلك القضية، ولم يكد يمضي أربعة أيام حتى سعدنا بالإطلاع على خبر نشرته صحيفة «الحياة» وهو إصدار نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون البنات نوره الفائز تعميماً إلى المدارس الأهلية كافة لتأكيد موافقة الوزارة على إسناد تدريس الطلاب الذكور من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الثالث الابتدائي إلى المعلمات، وذلك شريطة أن يكون الطلاب في فصول مستقلة عن البنات، استناداً إلى نجاح عدد من المدارس الأهلية في تطبيقها لتجربة إسناد تعليم الذكور إلى المعلمات، التي تبين منها أن تطبيق البرنامج مبني على اعتبارات تربوية دقيقة ومدروسة، خصوصاً أن المعلمات أكفأ في التعامل مع الأطفال في هذه السن، كونهن قادرات على إدراج برامج متنوعة وطفولية قد لا يستطيع المعلم التعاطي معها، والارتياح النفسي من أولياء أمور الطلاب لتدريس أبنائهم على يد المعلمات، لافتاً إلى أن النتائج للبرنامج إيجابية ومميزة. إن مثل هذا القرار يعتبر خطوة استراتيجية مهمة من حيث تحسين وتطوير مستوى مخرجات التعليم في بلادنا، بدءاً من المراحل التأسيسية، وكذلك الاكتفاء ابتداءً بتعميم ومواصلة التجربة في المدارس الأهلية ومن ثم تطبيقها تدريجياً في المدارس الحكومية كافة، وذلك بعد أن يتم توفير وتهيئة الإمكانات المناسبة كافة لتطبيقها، وحتماً في المقابل فإن هذه الخطوة ستقابل برفض واستياء شديد من بعض الفئات المتشددة وذلك من خلال قيامهم عمداً بخلط الأوراق حول هذه القضية من خلال زجها بقضية الاختلاط، والاحتجاج ببعض الآراء والمواقف الشرعية منها، والتجاهل المتعمد لما نص عليه التعميم من الفصل بين الذكور والإناث، وكذلك تهييجهم للمجتمع وإثارته ضد هذا القرار. لذلك ومن أجل أن ندرك الأهمية والجدوى من تطبيق مثل هذه الخطوة، وبدلاً من إشغال القارئ بالرد على القيل والقال على مناوشات المتشددين، فقد أحببت في هذا المقال أن أنقل تجربة مهمة في هذا المجال، إذ قمت بالتواصل شخصياً مع إحدى الشخصيات التي عايشت تجربة رائعة في هذا المجال وهي الكاتبة عبير زكي الحاصلة على شهادة الماجستير في التربية والمعلمة سابقاً في مدارس جامعة الملك فهد بالظهران «قسم البنين الصغار» التي أوضحت أن المرأة هي الأنسب والأقدر على تدريس مرحلة الصفوف الدنيا، وذلك لأسباب عدة أهمها: - أن الطفل في هذه المرحلة العمرية يخالط الجميع بشكل وبصورة تلقائية وعفوية من دون أي أبعاد أو مقاصد قد يُخشى منها، وأن غريزة الأمومة لدى المعلمة تجعلها تتعامل مع الأطفال بحنان عالٍ وبهدوء وسعة بال، ولا تتعامل معهم بحدة أو بقسوة، موضحة أن التجربة يمكن تطبيقها إلى مرحلة الصف السادس الابتدائي وليس فقط للصفوف الدنيا، وذلك لأن حاجة الطفل العاطفية في هذا العمر والشعور بالأمان، إضافة إلى المتابعة والإشراف عليه سلوكياً وأكاديمياً، هو ما يتوفر لدى المرأة بصورة أكثر. كما أن الأطفال يتعلمون بجانب المنهج عادات كثيرة، مثل الكلمات السحرية: شكراً، من فضلك، لو سمحت، عذراً، وهذه العادات غالباً ما كان يتعلمها الأطفال بشكل عفوي، وذلك لأن المرأة تستخدم هذه الكلمات أكثر من الرجل، ولذلك كنا نلحظ استخدام الأطفال لهذه الكلمات بصورة تلقائية عندما كانوا يلعبون أثناء الحصص والفسحة المدرسية. وأردفت بعد ذلك قائلة: «المرأة تتميز بالدقة أكثر وهذا ما يحتاجه الطفل في هذه المرحلة التأسيسية للمهارات الأكاديمية، كما أن تواصل الأمهات مع الإدارة والمعلمات يكون أسهل للغاية من وضعه الحالي، وذلك لأن الأطفال مازالوا في مرحلة عمرية تحتاج إلى إشراف ومتابعة من الأمهات، والمعلمة في هذه المرحلة تكون دقيقة في تأسيس المعلومات للطفل واتصالها مع الأم مباشرة يسهل مهمتها كثيراً. كما أن هناك انعكاساً إيجابياً على سلوك الأطفال مستقبلاً في ما يخص تعاملهم مع المرأة، إذ يتعودون على وجودها في حياتهم من عمر باكر ويحترمون دورها في المجتمع، بحيث لا تكون المرأة مجرد «أمه» فقط بل أيضاً «معلمته» و«طبيبته» و«ممرضته»... الخ. أما تجربتي مع أبنائي في المدرسة ذاتها «فقد كانت رائعة وكنت شخصياً محظوظة لأنهم تلقوا تعليمهم الباكر من معلمات رائعات ولم يجدوا أي صعوبة ولم يشعروا بأي عقدة، وعندما انتقلوا إلى قسم البنين الكبار - صفوف رابع وما فوق - لم يكن لديهم أي رهبة أو خوف لمرحلة جديدة، بل كانت شخصياتهم مستقلة ويملكون كامل الجرأة في تعاملهم مع معلميهم، خلافاً لما قد يدعيه البعض». إن مثل هذه التجربة العملية المثمرة وغيرها من التجارب تجعلنا نشعر بأهمية وضرورة المبادرة إلى تطبيقها وتعميمها على مؤسساتنا التعليمية كافة، وذلك بعد إعداد وتجهيز وتهيئة المرافق كافة من أجل النجاح بهذه الخطوة التعليمية المهمة. كاتب سعودي. [email protected]