أحتفظُ بإناءٍ من الخشب، قديم جدّا على شكل قصعة صغيرة (زبديّة) أو "موقعة" وجدناها مع غيرها في دار قديمة كنا نسكنها في الديرة. القدح كان "مُشرّطا" أي أنه انكسر في ذلك الزمن، وصمم أصحابه أو مستعملوه على إعادة استعماله فأعطوهُ "مختصّا" بالتشريط "والطريقة عبارة عن ثقبه ثقوبا صغيرة وإدخال شريط من الحديد لربط المنطقة المنكسرة، وهي في العادة شطب طولي. استعماله لتقديم أكلة مطازيز أو قرصان أو مرقوق لواحد أو اثنين من أهل المنزل. والآن أرى ذوقاً في مدننا يجعل التفاخر بالأواني الغالية يجري في شرايين حياتنا المنزلية ويكتب سطورا من الإسراف، وأحاديث في التبذير في التسابق في شراء الأواني الثمينة (من هوس اهل المنزل لشراء سفرة كاملة من الأطقم الصينية في كل موسم، في تجاهل لارتفاع وانخفاض ضغط دم رب الأسرة المطارَد بواسطة عقليات التكنولوجيا والصناعة الصينية النامية، ودماء التصاميم الغربية وجيب المستهلك المسكين في عالمنا المتهالك) وإعلانات الصحف ودكاكين تحكمها أكثر من دولة. أرجو أن لا يُفهم من هذا الطرح انني ادعو إلى "الموقعة" أو "الصّحَفه" المُزينة بزخارف أقمار النحاس (شغل الشام) لكنني قد أدعو إلى الرفق بحاسة المستهلك الذي لا يجد The have not فأولئك لن يسرهم أن يروا صالات عرض كبيرة تضم كل ما انبثقت عنه أفكار الغرب من تصاميم مثيرة لأنواع الصحون والملاعق. مع علمي وعلمكم أن بعض المشترين لا يعرف لماذا هذه الملعقة أو تلك السكين أو هذا الطبق. وقد صُنعت للمائدة الغربية التي تُجدد ملعقة أو شوكة أو سكينا لكل صنف من اصناف الأطعمة المعروضة على المائدة. أقول إن تلك المعارض الغالية، تجعل غير المتمكن ماليّا ضيق الصدر وحزيناً. وشبهتُ هذا الموقف بقول المرحوم الشاعر ابن دويرج الذي يرى شبح الفقر يلاحقه في خطواته. قال:- أدير الروابع لين يقبل سمار الليل ويلا جيت مع سوقٍ (ن) ابغديه لاقانى ويقصد الفقر. مع أني وجدت "الصّحَفِه" تباع، وبسعر غال أيضا، لأن بعض الناس يرى أن هذا الإناء الخشبي أدعى الى التباهي أيضا، والبعض يرى في الطعام نكهة أحلى إذا قُدّم في "صحفه" بسكون الصاد وفتح الحاء وكسر الفاء وسكون الهاء، حاولتُ ان "أؤهّل" الإناء المشرّط الذي في حوزتي، ذات مرة، وأقدم فيه وجبة، لكن أهل البيت تندّروا بالفكرة فتركتها.