دأبت منذ سنة حملة تشهير ضد عقيدتي وكرامتي على صفحات بعض وسائل الإعلام من بعض الأقلام التي لا أعرفها ولا أعرف أصحابها، وفي كل مرة كنت أجيب موضحاً ونافياً ومستغرباً فتتهافت الاتهامات الباطلة. وقرأت أخيراً تصريحاً في احدى الجرائد اليومية من محام سعودي في اللجنة الوطنية للمحامين، وفي هذا التصريح اتهام لي بالحقد والكراهية للمملكة (هكذا) ويسميني "المدعو" عبدالحميد الأحدب، ويشير الى أن الدكتور ناصر الزيد أمين عام مركز تحكيم الخليج يدعمني في "ضلالي" وأن المملكة تتعرض لهجمات مني، وأن مجلس غرف التجارة السعودية استنكر تصرفاتي، ويتهمني كذباً وباطلاً بأني أتهجم على المملكة.وأنني أسيء للشريعة الإسلامية(؟) وللتحكيم السعودي(؟) وإلى أنظمة وقضاء المملكة(؟)، الى غير ذلك من الافتراءات. ولذلك فإنه يطالبني بالاعتذار من المملكة (هكذا). وقد عمم هذا التصريح على شكل منشور على جميع المحامين في المملكة بواسطة الفاكس. وحيث أن أنظمة المملكة - وهي الراعية الأولى للشريعة الإسلامية - تعطيني الحق في الدفاع عن نفسي، لذلك فقد كتبت هذا الرد حتى لا يقع ظلم وتعد على أحد، الأمر الذي ضمنته الشريعة الإسلامية العادلة: وأود في البداية أن أعرف بنفسي فأقول: 1- إنني حفيد الشيخ ابراهيم الأحدب - رحمه الله - مفتي طرابلس والعلامة والفقيه الإسلامي المعروف في بلاد الشام وقد أوشكت على بلوغ السبعين من العمر محام وأحمل الدكتوراه في الحقوق وأمارس المحاماة في باريس وفي بيروت، وسبق أن عملت مستشاراً قانونياً مرخصاً في الرياض في المملكة العربية السعودية لمدة تزيد على عشرة أعوام وكانت أطروحتي للدكتوراه في الحقوق في جامعة باريس الخامسة عن "النظام القانوني للبترول في المملكة العربية السعودية" وأنا متخصص حالياً في قوانين التحكيم ولي عدة مؤلفات عن قوانين التحكيم باللغات العربية والفرنسية والانجليزية منها: أ - التحكيم والشريعة الإسلامية، 2- قانون التحكيم السعودي، 3- موسوعة التحكيم في ثلاثة أجزاء، 4- التحكيم في البلاد العربية، 5- التحكيم الدولي. 2- وكثيرا ما ادعى لتولي التحكيم في النزاعات التجارية العربية الأوروبية، وقد لاحظت أن الطرف العربي في هذه التحكيمات المتعلقة بالاستثمارات في البلاد العربية أو المشاريع الكبرى في التجارة العربية الدولية يصيبه غبن كبير وإهانات وعدم مراعاة لروح الدين الإسلامي فقررت أن لا أعقد صلحاً مع الهوان فشاركت في ربيع سنة 2006بإصدار بيان في القاهرة عن اخفاقات في التحكيم الأوروبي العربي (تحت اسم أزمة التحكيم الأوروبي العربي) ويتحدث هذا البيان عن تعيين المحكمين الأوروبيين لجلسات التحكيم في أيام الأعياد الإسلامية مما يجبر الشهود المسلمين على التخلف عن الاحتفال بالعيد مع عائلاتهم فضلاً عن قيام احد المحكمين السويسريين بشتم محامين عرب في دعوى فيها طرف سعودي يضاف لذلك امتناع مراكز التحكيم الأوروبية عن تعيين محكمين عرب حين تكون القوانين العربية هي القانون الواجب تطبيقه مما يلحق الأذى بالتجارة الدولية العربية، ونشر هذا البيان في الصحف المصرية ثم ترجم إلى اللغة الانكليزية وعمم بواسطة البريد الإلكتروني على المحكمين الأوروبيين.. 3- وانقسم المحكمون الأوروبيون إلى قسمين أكثرهم احسّوا بحجم الخطأ الواقع على المحكمين العرب ودعوا إلى الحوار لمعالجة هذه الاخفاقات في التحكيم الأوروبي العربي، وأقليتهم التي تشارك في هذه الأخطاء شنّت حرباً عدائية على المحكمين العرب الذين أصدروا ذلك البيان. 4- ومنذ ذلك الوقت بدأت تشن عليّ شخصياً حملة تتهمني بالتعرض للمملكة وللإسلام وأخذت تصدر البيانات المؤيدة للمحكمين الأوروبيين المتعصبين العنصريين وتتربص هذه الحملة الدوائر بالمحكمين العرب المطالبين بتوازن في التحكيم الدولي والذين بدأوا حواراً مع المحكمين الأوروبيين المنفتحين على الإسلام وانتهى إلى مبادئ عامة لتحكيم متوازن وأصبحت هذه المبادئ على وشك أن تُعلن من جنيف وباريس والقاهرة. 5- ومنذ ما يزيد على سنتين وبالتحديد في يناير 2007م الماضي نظم مركز تحكيم القاهرة ندوة عن "إعادة النظر بقواعد تحكيم اليونسترال" (لجنة قانون التجارة الدولية في الأممالمتحدة)، وخلال هذه الندوة تحدثت عن التجربة الناجحة وأشرت إلى ضرورة إلزام السلطة التي تقوم بتعيين المحكمين في النزاعات الدولية، وهي محكمة تحكيم لاهاي، باختيار محكمين عرب حين تكون القوانين العربية مطبقة ولا سيما الشريعة الإسلامية، وتحدث محام سعودي مؤيداً للأقلية الأوروبية من المحامين المتعصبين للحملة الأوروبية وقال - في معرض كلامه - إنه أنشأ "مركز القانون" في السعودية وأن ذلك يغني عن رجال القانون في مصر وفي لبنان. فرددت عليه مازحاً وقلت تعليقاً على تأييده للأوروبيين المتعصبين "إنك قد درت بهم في المملكة والتقطت لهم الصور، وما بقي إلا أن تدعوهم للعمرة!!". وتبع ذلك نقاش لم يخل من الحدة من الطرفين. وحضر هذا النقاش أكثر من ثلاثمائة رجل قانون وقاض وكان أكثرهم من السعوديين، ولم يفهم أحد منهم البتة ما فهمه المحامي المذكور. وصفق الحضور تصفيقاً حاداً عندما ذكرت بأن فقه الشريعة الإسلامية قد أغناه مجددون أمثال ابن تيمية وابن القيم في الماضي ومجددون ظهروا في زماننا أرغموا رجال القانون في الغرب بالاعتراف بعظمة الشريعة الإسلامية مثل عبدالرزاق السنهوري ومحسن شفيق. وصفقوا أكثر للدعوة إلى تعيين محكمين عرب حين تكون القوانين العربية هي المطبقة. فالأحدب حين أبرز نفسه مدافعاً عن حقوق العرب المسلمين لم تأخذه في الحق لومة لائم. 6- وقد قطع الجدل في هذا الموضوع مدير مركز تحكيم القاهرة الذي جرى الحوار أمامه فهو كتب يتساءل: "كيف لم يعترض ولا قال أحد كلمة من مئات الحاضرين للمؤتمر فيما لو مست حقاً شعائر الإسلام على مسامعهم؟ وقد ورد حرفياً في رسالة الدكتور أبو العينين وهي شهادة حاسمة في الموضوع: "وغني عن البيان أن اجتراء أي أحد على المساس بالمقدسات الإسلامية وبالكعبة المشرفة لو حدث لاستوجب إقامة حد الردة عليه! كذلك فمن المؤكد أنه لم ينقل إلى أي أحد أي مساس بمقدساتنا الدينية. علماً بأن الغيرة عليها لا تقتصر علي، ولكنها لدى المئات من المسلمين الذين حضروا المؤتمر. 7- وأخيراً اختتم هذه التوضيح بتبني ما قاله رئيس مركز تحكيم القاهرة الدكتور محمد أبو العينين: أرجو من الله العلي القدير أن يغفر للجميع خلافاتهم وأن تظل خلافاتنا في دائرتها الحقيقية ولا تتسع ولا تمس شريعتنا ومقدساتنا ورموزنا". هكذا حسم أمر حكاية ما قيل في القاهرة 8- ورغم ذلك فإنه في كل شهر أو شهرين يصدر بيان يتهمني مجدداً بمهاجمه المملكة والتعرض للإسلام ديني وأصبح اسمي "المدعو"، وفي ذلك بلا شك خدمة للمتعصبين من المحكمين الأوروبيين وفيه إفشال لدعوة توازن التحكيم العربي الأوروبي. فلماذا يتعمد هؤلاء الإساءة لي ولما أمثله من مطلب عادل من شأنه تأييد الاعتراف الدولي بالشريعة الإسلامية الأساسي كحل الخلافات الدولية. 9- أما بالنسبة للدكتور ناصر الزيد أمين عام مركز تحكيم الخليج فقد أدركت غرف التجارة السعودية ما وراء الحملة علي وعلى الدكتور الزيد فأصدرت بياناً في 1429/4/22ه نشرته الصحف السعودية جاء فيه: "بعد الإطلاع على خطاب سعادة رئيس اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي رقم ع غ/ 408بتاريخ 2008324م، المبني على خطاب سعادتكم المؤرخ في 22مارس 2008، بشأن ما توصل إليه مجلس إدارة مركز التحكيم التجاري في اجتماعه الاستثنائى المنعقد في 22مارس 2008م حول قرار مجلس الاتحاد بخصوص مركز التحكيم التجاري الخليجي. نفيدكم بأننا نؤيد قرارات مجلس إدارتكم الموقر بهذا الخصوص ونؤكد لكم حرص ودعم مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية لنشاطات مركز التحكيم، ونشكر جهود مجلس إدارتكم الموقر والأمانة العامة المتمثلة في أمينها العام للارتقاء بالمركز، ونؤكد لكم أن ما تم طرحه سابقاً من بعض الأشخاص لا يعبر عن الموقف الرسمي لمجلس الغرف السعودية حيال مجلس إدارة مركز التحكيم الخليجي أو الأمين العام للمركز، وهذا للعلم والإحاطة.. متمنين لكم ولمركزكم دوام التوفيق والنجاح.. رئيس مجلس الغرفة السعودية عبدالرحمن بن راشد الراشد" (انتهى). 10- بالنسبة لي فأرجو أن يتأكد القارئ الكريم أن مكانة المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً في قلبي كبيرة لا تؤثر فيها أو تهزها الصيحات، وأعتقد أيضاً أن لي أحبة في المملكة يحفظون لي مثل هذا الود ويبادلونني اياه، وعموماً نحن - العرب والمسلمين - نحفظ لقادة المملكة منذ عهد المؤسس الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود مواقفهم الأصيلة والشجاعة في تبني قضايا العرب والمسلمين في جميع المحافل الدولية والدفاع عنها وهذا ليس بغريب عليهم. وأخيراً: فإن الصحافة السعودية التي فيها نور الكلمة وقلب الإسلام مدعوة للحفاظ على كرامة المسلمين وأن تتحقق قبل النشر من الغاية من وراء هذه الحملة الظالمة ضدي التي تلبس لباس الدفاع عن المملكة والإسلام وتتهمني بما لا علم لي به، وتسوق شتى الاتهامات بدون أي دليل ولا حتى ظل للحقيقة.. وإلا فما دخل "الأمن والأمان" في الموضوع؟ إن من المضحك أن يعتبر الأحدب خطراً على الأمن والأمان في المملكة أو الخليج أو في أي مكان!! وأخيراً والأهم من كل ذلك وقطعاً لدابر الأذى الذي يلحق بالإسلام والمملكة أكثر مما يلحق بي.. وحفاظاً على الحق والحقيقة، فإنني أضع نفسي بتصرف القضاء السعودي وبتصرف الصحافة السعودية ومستعد للحضور إلى المملكة في الوقت الذي يحدده قضاؤها الذي يتولاه رجال منصفون يعطون لكل ذي حق حقه، وصحافتها التي فيها كتاب لا يقبلون أن تكون الصحافة منبراً لإلحاق الأذى بالمسلمين بغير وجه حق.. ولتكن محاكمة.. محاكمتي، وأيضاً ينبغي أن يشمل التحقيق هؤلاء الذين يقودون هذه الحملة في التعدي علي في ديني وكرامتي، فإن كنت مذنباً ولو بنسبة واحد بالمئة فليكن القصاص، وإذا كان الذين يجردون الحملة ضدي مفترين مسيئين للإسلام والمسلمين وللمملكة لغايات شخصية فلينل المذنب عقابه. والله من وراء القصد..