سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
استعمال الغرز المشعة لمعالجة سرطان البروستاتا ابتكار جديد ذو فعالية عالية ومضاعفات غير خطرة بعض الخبراء يدعون أن هذه الوسيلة قد تنافس الجراحة الاستئصالية...!!
سرطان البروستاتا يصيب الملايين من الرجال الذين تجاوزوا 50 سنة من العمر في كل أنحاء العالم وخصوصاً في الولاياتالمتحدةالامريكية واوروبا الغربية حيث يعتبر الأكثر شيوعاً بين كل الاورام والقائل الثاني لهم بعد سرطان الرئة، ورغم أن نسبة حدوثه لاتزال قليلة في المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية الا انها لابد ان ترتفع تدريجياً مع استمرار ارتفاع معدل الأعمار وزيادة نسبة الرجال المسنين من عدد السكان. وقد ساعد استعمال تحليل معدل «ب أس أي» في الدم في السنوات الخمس عشر الماضية إلى تشخيص هذا الورم في أول مراحله أي عندما لايزال محصوراً في البروستاتا في حوالي 80٪ من تلك الحالات مع انخفاض نسبة الوفاة بسببه. وبعد أن يتم تشخيصه بواسطة الخذعات المأخوذة بالابرة عبر الشرج من البروستاتا باستعمال الأشعة فوق الصوتية وبعد تصنيف وقياس خبثه ومرحلته ومدى امتداده داخل أو خارج تلك الغدة وعدم انتقاله إلى العظام أو الغدد اللمفية في الحوض أو إلى أعضاء اخرى يتم علاجه حسب ميزاته بعد الحصول على موافقة المريض على نوع المعالجة التي يقررها الاخصائي في جراحة المسالك البولية والتناسلية. ولكنه حيثما لا يوجد علاج واحد لتلك الحالات فانه في غاية الأهمية أن يستوعب المريض جميع الوسائل العلاجية مع أمل نجاحها ومضاعفاتها وخطورتها وكلفتها ليتسنى له أن يقرر بنفسه العلاج المناسب والأمثل له. وفي أغلبية تلك الحالات يتمرمغ المريض في الحيرة والارتباك ويستعين بآراء أهله واصدقائه وبعض المرضى الذين اصيبوا بذات الورم أو يجول على الإنترنت أو يستشير عدة اخصائيين ليتمكن من التوصل إلى القرار الصائب. وقد شرحنا سابقاً في عدة مقالات في جريدة (الرياض) الغراء مختلف الوسائل العلاجية التي تشمل في حال وجود سرطان محصور في البروستاتا المتابعة بدون علاج والجراحة الاستئصالية للبروستاتا والحويصلات المنوية والمعالجة الاشعاعية لمدة 8 إلى 10 أسابيع أو التي تتم بغرز الابر المشعة داخل البروستاتا تحت مراقبة الأشعة فوق الصوتية أو المقطعية أو الرنين المغناطيسي أو نادراً العلاج الهرموني. وقد ناقشنا فوائد واضرار ومضاعفات كل من تلك الوسائل، وقد برزت في السنوات العشرة الماضية دراسات عديدة حول استعمال الابر المشعة في معالجة هذا الورم الخبيث والخطير اظهرت نتائج جيدة مع اعراض جانبية غير خطيرة في أغلب تلك الحالات وقد وردتنا عدة اسئلة من مرضانا وقرائنا حول هذه الوسيلة المبتكرة مما دفعنا إلى شرحها باسهاب وموضوعية كاملة في هذه المقالة لتنوير المرضى والقراء حولها. لمحة تاريخية حول تلك المعالجة الاشعاعية في سنة 1903م اقترح الدكتور «الكسندر بيل» في رسالة ارسلها إلى رئيس تحرير مجلة «شعاع رنتغنغ» امكانية ادخال شرفة صغيرة جداً من الراديوم عبر أنبوب من الزجاج داخل السرطان للقضاء عليه، وقام الدكتور «باستو» والدكتور بارينغر في مابين 1914 و1917م بادخال أبر الراديوم عبر العجان إلى البروستاتا لمعالجة السرطان داخلها وتبعهم الدكتور فلوكس في عام 1950م عندما استعمل الذهب الغرواني لهذه الغاية. ولكن تلك الوسائل لم تلاق أي اقبال طبي بسبب سوء نتائجها وكثرة مضاعفاتها فأهملها الاخصائيون ونبذوها. وفي العام 1970م قام الدكتور ويتمور في مستشفى «ميموريال سلون كيتيرنغ» في نيويورك باستعمال طريقة مبتكرة بغرز الابر المشعة التي تحتوي نظير اليود 125 المشع داخل البروستاتا بعد كشفها جراحياً وقياس حجمها وبكمية الاشعة التي تحتاجها. ولكن وللأسف لم تعط تلك الطريقة المبتكرة النتائج المرتقبة وباءت بالفشل واستعوض عنها الاخصائيون بالمعالجة الاشعاعية الخارجية أو بالجراحة الاستئصالية. ولكن في سنة 1983م فتح الدكتور هولم أفقاً جديدة بابتكار طريقة تقوم على استعمال الاشعة فوق الصوتية على العجان مع طابق مثقوب لادخال الغرز المشعة عبره بواسطة الابر ليشمل كل نواحي البروستاتا مما يساعد على توزيع منتظم لتلك الغرز وتطبيق علاج دقيق وكامل للورم، وقد تم تطوير تلك الطريقة لاحقاً باستعمال الحاسوب لقياس المعيار الصحيح للاشعة اللازمة حسب حجم البروستاتا والسرطان داخلها. تطبيق المعالجة بالغرز المشعة حديثاً إن شعبية ورواج تلك الوسيلة عالمياً في السنوات القليلة الماضية ترتكز على سهولة استعمالها ونتائجها المشجعة ومضاعفاتها القليلة نسبياً. فهي تتم مرة واحدة وبدون الحاجة للاستشفاء ولمدة ساعة تقريباً تحت بنج عام أو نصفي وتقوم تحت اشراف اخصائيين في جراحة المسالك البولية والتناسلية المداواة بالأشعة لمعالجة سرطان البروستاتا المحصور داخلها اما منفرداً ام بالاشتراك مع المعالجة الاشعاعية الخارجية حسب درجة خبث الورم ومرحلته ومعدل «ب أس أي» في الدم وحجم البروستاتا وإذا ما كان السرطان موجوداً في فص واحد وفصين في البروستاتا. ولكن قبل المباشرة بهذا العلاج يجب على الاخصائي تطبيق معالجية دوائية للأغراض البولية إذا ما حدثت بدون اللجوء إلى جراحة قطع البروستاتا بمنظار القطع لتحسينها وتفادي تفاقمها بعد المعالجة بالغرز المشعة. علاوة على ذلك انه من الاهمية القصوى اتباع خطة ما قبل العلاج لقياس معدل الأشعة اللازمة لكل من الحالات لتفادي استعمال كمية اشعاعية مفرطة قد تسبب مضاعفات وخيمة واختيار نوع الغرز والنظير المشع المكون من الايريديوم ذات المفعول الوقتي أو أليود 125 أو البالاديوم 103 ذات المفعول الدائم حسب متطلبات كل حالة ومميزاتها مع التذكير أن مدة مفعول اليود تمتد إلى حوالي 6 أشهر مع كمية إشعاعية تصل إلى 144 درجة عند الأشعة Gy بينما البلاديوم فقد يوزع طاقته على مدى شهرين مع طاقة تصل إلى حوالي 115 درجة إشعاعية Gy، وكلاهما يصدران طاقة غاما المنخفضة مع اختراق محدود للأنسجة. طريقة غرز البذور المشعة داخل البروستاتا وضرورة متابعة المريض بعد العلاج بعد اتمام التبنيج النصفي أي بحقن المخدرات حول النخاع الشوكي أو التبنيج العام ترفع ساقا المريض وتوضع على ركيزتين وتطهر منطقة العجان ويدخل مسبار الأشعة فوق الصوتية في الشرج لإظهار البروستاتا بوضوح على الشاشة ويوضع القالب المثقوب على العجان وتغرز الإبر الحاوية على الغرز المشعة تدريجياً في كل انحاء البروستاتا، وبعد افراغ الغرز منها تستخرج تلك الإبر من الغدة وتبقى الغرز داخلها الغدة ويتم ذلك تحت المراقبة بالأشعة فوق الصوتية مع التأكد من وضعها المناسب بواسطة تنظير التألق أو الأشعة المقطعية.. ويجري بعض الاخصائيين تنظير المثانة والاحليل للتحدي عن نزوح بعض الغرز إليها واستئصالها إذا ما لزم الأمر.. ويتابع المريض كل 3 أو 6 أشهر مع قياس معدل «ب اس اي» في السنة الأولى والثانية بعد العلاج ومن ثم مرة كل سنة مع احتمال أخذ خزعة من البروستاتا بعد سنتين أو إذا ما ارتفع تركيز «ب اس اي» 3 مرات متتالية بعد هبوطه إلى أدنى مستواه بعد العلاج وحيثما ان سرطان البروستاتا بطيء التقدم فلا يجوز التأكد من نجاح المعالجة إلا بعد 5 إلى 7 سنوات من اجرائها وأما بالنسبة إلى مضاعفات تلك الطريقة العلاجية فقد تشمل الأعراض البولية الحادة والمزعجة لمدة أشهر بعد العلاج مع الحاح، وتكرار التبول نهاراً وليلاً والصعوبة في التبول مع تباطئه، وتقطيعه فضلاً من أن تلك الأعراض تزيد شدتها إذا ما كانت موجودة قبل المعالجة ويمكن تخفيفها بالعقاقير المثبطة لمحصرات ألفا وبعض المهدئات.. وأما بالنسبة إلى الأعراض الجانبية المهمة والخطيرة احيانا فهي نادرة الحدوث وتشتمل على الحصر البولي والالحاح وتكرار التغوط والإسهال والنزيف الدموي من المستقيم نتيجة تقرحه والناسور بينه وبين البروستاتا والسلس البولي الذي قد تصل نسبته إلى حوالي 50٪ من تلك الحالات إذا ما تعرض المريض إلى عملية قطع البروستاتا بمنظار القطع قبل أو بعد المعالجة بالغرز المشعة والعجز الجنسي الذي قد يصب حوالي 15٪ إلى 38٪ من هؤلاء المرضى على مدى سنة أو سنتين بعد العلاج.. وأما بالنسبة إلى القدرة على الانجاب فقد اظهرت دراسة حديثة عدم تأثير الغرز المشعة على عملية الانطاف. نتائج المعالجة اظهرت عدة دراسات أميركية وأوروبية نتائج جيدة على مدى 10 إلى 15 سنة مع نسبة النجاح في حوالي 70 إلى 85٪ من تلك الحالات خصوصاً إذا ما كان الورم محصوراً في البروستاتا وذات خبث خفيف أو معتدل مع معدل «ب اس اي» أقل من 10 نلوغرام لكل ميلي ليتر إذا ما استعمل العلاج بالفرز المشعة منفرداً أو مع المداواة بالأشعة الخارجية مع الأمل في البقاء على قيد الحياة، بإذن الله عز وجل، بدون أو حتى مع استمرار أو معاودة الورم في حدود 90٪ في بعض تلك الدراسات.. ولكن تلك النتائج التي قد تتساوى مع تلك التي تحرز باستعمال الجراحة الاستئصالية للبروستاتا أو المداواة بالأشعة الخارجية في بعض حالات مختارة للسرطان البروستاتي المحصور الذي يتحلى بمميزات نسيجية جيدة الا انها لا تتحلى بذات النجاح اذا ما كان الورم شديد الخبث ومتقدما خارج البروستاتا أو إذا ما كان معدل «ب اس اي» مرتفعاً قبل العلاج أو بعده.. وللأسف لا تتوفر حتى الآن دراسات مستقبلية عشوائية وعمياء تقابل المعالجة بالغرز المشعة مع الاستئصال الجراحي أوالمداواة بالأشعة الخارجية للتمكن من الوصول إلى استنتاج علمي محض حول أفضل معالجة لسرطان البروستاتا المحصور ولكن الدراسات الحديثة اظهرت انه على المدى القصير اي في غضون 10 إلى 15 سنة من العلاج قد يكون نجاح جميع تلك الوسائل متساوياً خصوصاً باستعمال المداواة الحديثة بالأشعة المطابقة أو بالغرز المشعة التي يتم تطبيقها لأطول من تلك المدة للتأكد من مفعولها على المدى الطويل بينما الاستئصال الجراحي الذي قام به الاخصائيون لأكثر من 50 سنة قد أعطى نتائج ممتازة على فترة طويلة أي لمدة 25 سنة أو أكثر في معظم تلك الحالات مع نجاح يتراوح بين 70٪ إلى 90٪ حسب مميزات الورم ودرجة خبثه وامتداده ونتيجة معدل «ب اس اي» قبل العلاج وقد يتفوق على المعالجة الاشعاعية الخارجية أو بالغرز المشعة إذا ما استئصل الورم كاملاً مع البروستاتا وفي حال غياب أي امتداد له عبر محفظة الغدة أو خارجها أو عدم ارتفاع «ب اس اي» بعد العملية الجراحية. كيف يتم اختيار العلاج؟ ان اختيار الوسيلة العلاجية لسرطان البروستاتا المحصور، يرجع إلى المريض نفسه بعد تثقيفه الكامل حول هذا الورم وجميع الوسائل المتبعة لمعالجته مع نسبة نجاحها ومضاعفاتها كالسلس البولي والعجز الجنسي وضيق عنق المثانة والاعراض البولية الناتجة عن آفات المستقيم وغيرها. فقد يتقبل بعض الرجال امكانية حدوث تلك المضاعفات مقابل القضاء الكامل المحتمل على السرطان باستعمال الجراحة الاستئصالية بينما يرفضها غيرهم ويفضلون المداواة بالاشعة مع قلة مضاعفاتها حتى لو لم تعط نفس النتائج بالنسبة الى البقاء على قيد الحياة بإذن الله سبحانه وتعالى وذلك لأهمية جودة الحياة بالنسبة اليهم. وقد حاول عدة اخصائيون مقارنة تلك الوسائل العلاجية بالنسبة الى الاستمتاع بحياة ممتعة وخالية من الاضطرابات الجسدية او الفكرية فاظهروا ان المتابعة بدون علاج والمداواة بالاشعة قد تترابط بحياة أجود في اول سنة بالمقارنة بالجراحة ولكن تلك الوسائل قد تتساوى بعد السنة الثانية في اغلبية تلك الحالات. وجدير بالذكر ان بعض المرضى الذين تجاوز 75 سنة من العمر والمصابين بأمراض اخرى خطيرة وخصوصاً اذا ما كان ورمهم قليل الخبث قد يختارون المتابعة بدون معالجة إلا اذا حدث انتقال الورم الى العظام او غيرها من الاعضاء مع اعراض سريرية مؤلمة التي تستدعي العلاج الهرموني وذلك مع نتائج جيدة في العديد من تلك الحالات ومع الحفاظ على جودة الحياة التي تكون عنصراً بارزاً وفي غاية الاهمية في اختيار أي علاج لسرطان البروستاتا المحصور. واما بالنسبة الى استعمال الهرمونات الانثوية او التي تحث افراز GnRH من العطاء فلم تظهر اية فعالية للاورام البروستاتية المحصورة في البروستاتا ناهيك انها ذات منفعة عالية في علاج بعضها المتقدم محلياً خصوصاً اذا ما استعملت مع المداواة بالاشعة.