جهد بلغ أشده .. واقتضى من محاميي الطرفين .. وفضيلة القاضي .. القيام بأشرس طرق التفاوض لإنهاء خلاف طرفي القضية .. على الأرض محل النزاع .. والحق يقال .. لم تكن هذه فضيلة خالصة لوجه الله تعالى ! .. فالمحاميان يريدان أتعابهما بأسرع وقت .. والقاضي يعلم أن نظر القضية الشائكة دونما صلح .. سيستغرق سنوات مديدة .. وهي القضية المتشعبة .. فوق مستواه العلمي والتجريبي ..! وقّع الجميع على صك الصلح .. ووجوه الجميع تفوح بالبشر .. كل على غايته .. لكن .. عندما وجّه القاضي كاتبه بنظم قرار الصلح في صك يوّثقه .. لم يتخيّل بأن الخطأ الذي سيقع فيه الكاتب .. الخطأ الإملائي البسيط .. سيكلّف طرفي النزاع .. عشرين سنة من النزال الشرس في أروقة المحاكم .. وقرار وزاري بتشكيل لجنة قضائية من ثلاثة قضاة .. تتابع عليها من بقي ومن فني ..! القاضي لم يدر بخلده .. وهو يوجّه كاتب الضبط بنظم محضر الصلح من ضبط قضاياه إلى صك مستقل .. أن الكاتب سيجتهد بحسن نية .. ليبدل عبارة ( ويحد الأرض محل النزاع .. حوش إلخ ) بعبارة ( ويحد الأرض محل النزاع .. أحواش ) .. وهو ما غيرّ معالم الأرض على الطبيعة .. 180 درجة .. في واحدة من أشد قضايا .. القضاء العقاري .. تعقيداً . تشكّل الأخطاء القضائية وغموض القرارات الشرعية .. رغم قلتها .. صداعاً لمن تقع تجاهه .. سواء كان الخطأ مادياً أو حسابياً .. أو حتى غموضاً في منطوق الحكم .. يؤدي إلى التنازع عند تنفيذه .. ولا يمكن الركون إلى إجراء التنفيذ .. إلا بالتصحيح أو التفسير . الخطأ المادي إذا وقع في الحكم .. فإن الهيئة التي أصدرته تتولى تصحيحه بموجب القانون من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم بعد تكليفهم بالحضور .. أما إن كان غامضاً فإن تفسيره لا يكون إلا إذا كان المنطوق غامضاً لا يمكن معه الوقوف على حقيقة ما قصدته المحكمة .. وفي الحين الذي ذهبت فيه كثير من قوانين المرافعات إلى وجوبية سلوك طرق الطعن المقررة في القانون بمجرد انتهاء النزاع بين الخصوم وخروج القضية من يد المحكمة .. وبالتالي لا يجوز تعديله أو تصحيحه إلا بإجراءات الطعن المتعارف عليها .. فإن نظام المرافعات الشرعية ذهب إلى خلاف ذلك حيث ورد في الفصل الثاني المعنون ب ( تصحيح الأحكام وتفسيرها ) في المادة ( 168) منه : ( تتولى المحكمة بقرار تصدره بناءاً على طلب أحد الخصوم أو من تلقاء نفسها تصحيح ما قد يقع في صك الحكم من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية ، ويجري هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه قاضي أو قضاة المحكمة التي أصدرته بعد تدوين القرار في ضبط القضية ) . وفي الوقت الذي مر نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية بإشارات عابرة على موضوع التصحيح والتفسير بما لم يتعد ال 125كلمة .. وإشارة بسيطة في الفقرة ( 1/3) من اللائحة التنفيذية لنظام التسجيل العيني للعقار ( قوة الإثبات المطلقة للسجل لا تمنع من تصحيح الأخطاء المادية في السجل العقاري حتى بعد مضي الآجال كما جاء في المادة (52) من هذا النظام ) . فإن قانون المرافعات ومبادئ محكمة النقض المصرية أسهبت بحرفية بالغة في موضوع التصحيح .. وطرق الطعن عليه .. وابتداء صلاحية محكمة الموضوع في التصحيح .. وانتهاء ولايتها في ذلك : @ الطعن في الأمر الصادر بتصحيح الأخطاء المادية البحتة في الحكم غير جائز إلا إذا تجاوزت المحكمة حقها في التصحيح .. أما القرار الذي يصدر برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه على استقلال . @ سلطة المحكمة في تصحيح حكمها مقصور على ما يقع من خطأ مادي بحت في منطوق الحكم بما لا يؤثر على كيانه ويفقده ذاتيته . @ وجوب أن تكون الأخطاء المادية المطلوب تصحيحها واردة في منطوق الحكم دون الوقائع أو الأسباب ما لم تكن الأسباب جوهرية مكونة جزءاً من منطوق الحكم أو مؤثرة فيما يستفاد منه . الأخطاء القضائية .. تمثّل مشكلة .. تزول بتناول القانون لجميع جوانبها .. وتفصيل المبادئ القضائية للحالات التطبيقية التي ترد عليها .. الأخطاء كما قال الروائي الكبير واسيني الأعرج "أشياء صغيره نعم .. لكنها .. قادرة على أن تهزنا في العمق ..! " . * الباحث في أنظمة العقار