بدء جلسات ملتقى الميزانية 2026 بمشاركة 13 مسؤولا    ولي العهد يصل البحرين لترؤس وفد المملكة بالقمة الخليجية ال46    أمانة جازان تواصل حملات تحسين المشهد الحضري في وسط البلد والشامية    زراعة عسير: ضبط 760 كجم من الأسماك والدواجن غير الصالحة للاستهلاك الآدمي    الجاسر: المملكة تشهد نشاطا قويا في مجال اللوجستيات ونمو قطاع الشحن الجوي بنسبة 34%    الذهب يتراجع مع صعود عوائد السندات الأميركية    تعميق المجالات السياسية والدفاعية والاقتصادية تتصدر أعمال القمة الخليجية    ضميرية عسيرية حول المملكة وباكستان    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    لو لا تنتهي القصائد .. هكذا تُطوى آخر ليالي نوفمبر مع نجم شاعر المليون عبدالرحمن المالكي    أمير منطقة تبوك يطلع على تقرير عن منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    القمة الخليجية في البحرين تناقش مستقبل التعاون الاقتصادي وربط القطارات    إطلاق مشروع «نتطوع معًا» لتعزيز ثقافة التطوع والابتكار بجازان    أمير الرياض يشهد توقيع اتفاقيات بين "الموارد البشرية" وعدد من الجهات    القراءة التي لا تتحول إلى إنتاج موقف أو نص تبقى ناقصة نعمل على أن تصبح «أقرأ» منصة عربية مرجعية للقراء الشباب    المملكة تقفز بنسبة المناطق البحرية المحمية إلى 61.1 %    الهلال يطلب إعفاء بونو من كأس أفريقيا.. ونونيز يريد الرحيل    اندثار المواهب والحلول لإعادة اكتشافها وصقلها    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    توطين تقنيات التصنيع الذكي    خطوة روسية – أمريكية نحو حل سلمي للأزمة الأوكرانية    أكد أن مزاعم «الدعم السريع» وهدنته مناورة سياسة.. الجيش السوداني يصد هجوماً على «بابنوسة»    ألقى بابنته من الشرفة لرفضها فسخ خطبتها    «الجوازات»: الهوية الرقمية لا تستخدم في عبور منفذ سلوى    الحوثي يعدم المدنيين بتهم «مزيفة»    المملكة الثالث عالمياً في نماذج الذكاء الاصطناعي    مجرد (شو) !!    قبل عرضها على سبيستون    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    في مستهل مشواره بكأس العرب.. الأخضر يعبر عمان بثنائية البريكان والشهري    جودة النظام الصحي تسبق مهارة الطبيب    شبه القراءة بالأكل    في جزيرة شورى وزيرا الرياضة والإعلام والإعلاميون.. أمرهم شورى!    ألونسو: أهمية مبابي أكبر من أهدافه    السيتي ينجو من انتفاضة فولهام ويقلص الفارق مع آرسنال إلى نقطتين فقط    الجيش الألماني يعلن تعرّض شحنة ذخيرة للسرقة    نور الرياض    منازل نجران.. تراث أصيل    ضبط 21134 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    رصد البقعة الشمسية العملاقة رقم 4294 من سماء الحدود الشمالية    توجيه تهمة القتل للمشتبه بإطلاقه النار على فردين من الحرس الوطني بواشنطن    الأسهم السعودية تغلق على تراجع طفيف    42% نمو بالإنتاج الزراعي بالباحة    3 ملايين مخطوطة تتصدر حديث ثلوثية الحميد    الأخضر يستهل مشواره بالتغلب على عُمان بثنائية في كأس العرب 2025    عنف إسرائيلي متصاعد وسط تمدد البؤر الاستيطانية    انطلاق فعاليات القمة الخامسة لرعاية العيون بمشاركة نخبة من الكادر الطبي    السفراء الجدد يؤدون القسم أمام ولي العهد    حين أوقدت منارتي نهض الصمت فنهضت به    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي القوة البحرية بجازان    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 47 ألف جولة رقابية في المدينة المنورة    الديوان الملكي: وفاة صاحب السمو الأمير عبدالله بن فهد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود    «التخصصي» ينقذ طرف مريض بالجراحة «ثلاثية الأبعاد»    البكتيريا المقاومة للعلاج (2)    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور التكيّف الاجتماعي في تغير الخطاب الثقافي السعودي
إيقاع الحرف
نشر في الرياض يوم 28 - 08 - 2008

كثير من سكان المدن الحديثة في السعودية كالرياض جاؤوا إليها في الأصل مهاجرين من مدن وقرى من مناطق مختلفة. فهناك من جاء من الجنوب ومن الغرب بكثرة، وهناك من جاء من الشرق وكذلك من الشمال وإن كانوا أقل من غيرهم. جاء كل فرد وهو يحمل معه ثقافته الخاصة وقيمه الذاتية التي تمثل ثقافة منطقته. ومالبثوا فترة من الزمن حتى انصهرت ثقافاتهم الفردية بثقافة عامة تمثل المجتمع الجديد، وكادت الفروق المميزة تضمحل مع مرور السنين ومع نمو الأجيال الجديدة.
والتغير الذي حصل لم يقتصر على معطيات مادية تتعلق بالمظهر والسكن واللغة فحسب، بل شمل قيمًا أساسية كالضيافة والعلاقات الاجتماعية وأعراف الزواج وقيم العمل. هذه التغيرات التي تحصل ببطء ودون إثارة تمرّ على حياة الأسرة السعودية الحديثة فتغيّر بدورها أنماط التفكير والقناعات لدى الأجيال الجديدة. ومن هنا يأتي السؤال حول العوامل الأساسية المؤثرة في التغيير وآلية عملها في مجتمع يبدو محافظًا تحكمه أطر ثقافية تكاد تكون ثابتة.
إن عوامل التغيير مرتبطة بعناصر جوهرية أبرزها "التكيف" الذي يمثل آلية فكريّة قادرة على إحداث التغيير في الفرد وفي المجتمع على حد سواء. ولتوضيح دور التكيف يحسن عرض مفهومه في عدد من الحقول المعرفية المعنية بدراسة التغيرات الثقافية. فحينما يتطرق علم الأنثروبولوجيا والتحليل النفسي للرابطة الاجتماعية فإن التركيز يكون على مستوى التكيف بين عناصر الثقافة، ويأتي التكيف لعرض العلاقات الموجودة بين نظم السلوك المختلفة، وبين العناصر العاطفية والفكرية وكذلك الاقتصادية التي توحّد الناس فيما بينهم.
أما علم الاجتماع فيستعمل مفهوم "التكيّف" في سياق مختلف يتعلق بعلاقة الفرد والجماعة، وهو تعبير يكاد يكون غامضًا بسبب توزّعه على مجموعة مجالات متداخلة. فقد استخدم في فرنسا عام 1786بمعنى "جعل المرء يعيش في مجتمع"، ثم أخذ منذ عام 1836يعني "واقع توضيح العلاقات الاجتماعية بين الناس وتنميتها". وفيما بعد، أصبح مرادفًا لتعبير "المخالطة الاجتماعية" الذي يعني مجموع الاستعدادات التي تجعل المشاركة البشرية ممكنة.
ويلاحظ أن هذا التعبير يغطّي آلية اكتساب العلاقات ومايرتبط بها من التزامات تحكم الأدوار الاجتماعية. ويؤكد الباحث الاجتماعي الفرنسي "إميل دوركهايم" على أن "التكيّف يسمح بتثبيت أنواع السلوك والميول والأفكار وتعديلها أو استبعادها، من خلال ممارسة نوع من الإكراه الخارجي على الفرد". موضحًا في دروسه عن التربية الأخلاقية أن الكشف عن آليات التكيّف يمكن أن يزوّد المدرسين بالعناصر الضرورية لتعليم الطفل أسس الأخلاق، وجعله جديرًا بالتعلّق بالمجموعة الاجتماعية والإخلاص لها.
وفي علم النفس يدل تعبير "التكيف" على ترابط البعد الإنساني بين مراحل نمو النزعة الاجتماعية والنزعة الذاتية. ويرى "جان بياجيه" أن المجتمع هو نتاج التأثير الذي يمارسه جيل على جيل قادم، وهذا التأثير يحصل بفعل النقل والتكوين بواسطة التربية باعتبارها عملا خارجيًا يمارسه كبار السن على الشباب. هذا العمل يكيّف تدريجيًا الأفراد الشباب مع المجتمع، ويدمجهم في مجموعة اجتماعية متجانسة وهذا ما يجعلهم متضامنين مع تاريخ هذه المجموعة ومع أخلاقها. ويلاحظ أن نمو الطفل وتطوّره الذهني (من الذكاء الحسي المحرّك إلى الذكاء التمثيلي، ومن الذكاء التمثيلي إلى مستوى التفكير الملموس والفرضي الاستنباطي) يجعل نموه يعزز تكيفه مع الجماعة.
أما في علم الأنثروبولوجيا فقد استخدم مصطلح التكيف بشكل خاص عام 1939لدى إبرام كاردينر(Abram Kardiner)، بمعنى نقل الخصائص الثقافية النوعية باعتبارها اكتسابًا وتنمية للبنى الأساسية للسلوك التي بواسطتها يشكّل المرء شخصيته، فيتعلم الكلام، ويصبح واعيًا بالفروق بين مختلف نماذج العلاقات الاجتماعية وقادرًا على القيام بعلاقات أكثر تنوعًا. وتميز الباحثة مارغريت ميد (Margaret Mead) بين التكيف وبين التأقلم الثقافي، الذي يعني التعلم والتطبيق للثقافة ضمن سيرورة دمج الفرد في مجموعة جديدة، على اعتبار أن التأقلم مرحلة أولية تمثل الاستجابة التي يكره المرء عليها بسبب ظروف العيش مع المجموعة.
ويلاحظ في المقاربات السابقة أن التكيف يتضمن درجات زمنية محددة يتحول عبرها الشخص إلى عضو في مجتمع بشري خاص ضمن ثقافة نوعية خاصة، ويعقد علاقات فكرية وعاطفية، ويكتسب أنواعًا من السلوك الانفعالي، ويؤسس البنى الإدراكية، ويدرك التقنيات الجسدية، ويتمثل النماذج المثالية، ويكتسب اللغة التي تمثل الموضوع واللغة النحوية، ويميز المبادئ المعيارية، ويتعامل مع الإكراه الأخلاقي. وتتفق تلك التعريفات في أن ميدان التطبيق المباشر للتكيف هو ميدان أنطولوجيا الإدراك، حيث تنتظم مختلف مستويات الشخصية، وتتمحور مستويات استبطان البناءات المنطقية، فيقوم التكيف بتنظيم فهم التفاوتات الاجتماعية والثقافية دون إغفال التمايزات الذاتية.
هذا الغطاء النظري يفيد في وضع مظاهر الخطاب الثقافي السعودي في سياقها التاريخي والفكري ومعرفة مستوى التغير في بعض المظاهر والثبات في مظاهر أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.