منذ سنوات قليلة ابتكر الفنان محمدعبده اسلوبا رديئاً للغناء.. فبعد "خدمة" لأكثر من أربعين عاما.. اكتشف أن "ذاكرته" رديئة إلى حد يجعله عاجزا عن حفظ الجديد من أغنياته.. فما بالك "بها" وهويرغب في اعادة غناء القديم.. حتى يذكر الأجيال الجديدة بماضيه العتيد.. وأمجاده الغابرة التي يحفظها له أرشيف الغناء ويشهد له بالاجادة في كثير مما غنى.. ولكن.. طبعا "لكن" هذه تأتي على طريقة قصص "المعلم" تشيخوف.. وربما موبوسان ايضا.. وفي حالة محمد عبده هي تذكرنا بمقولة: "تأخذ زمنك وزمن غيرك".. ولابد أن يكون محرر فني دؤوب مثل "على فقندش" هو الذي اعاد جمع وكتابة اغاني "الدفتر" الكبير الذي نراه يضعه امامه ليغني منه... وطبعا لأنه تربى في مدرسة غنائية تعيب على الفنان الغناء من "الدفاتر" ويعرف جيدا انها اسوأ طريقة يمكن لمؤدٍ ناشئ ان يلجأ اليها.. فما بالك بمغنٍ "محترف" له مثل تاريخه.. كان لابد أن لا يلجأ لمثلها.. "لكن"!! يبدو أنه اراد ان لا يكون الوحيد.. وحتى يشجع الآخرين على السير على خطاه.. لم يظهر في حفل إلا و"دفتره" معاه.. ولم يعد يغني إلا وعينه على "المكتوب في الدفتر" لا احساس ولا انفعال ولا تفاعل.. مجرد صوت يقرأ.. او على الأصح "يترجم" المكتوب على ايقاع الجمل الموسيقية المصاحبة.. أي انه "يغني" بعينه.. عين على "الورق" وعين على الجمهور.. والغريب انه لا يخجل من الجمهور وهو يقول لهم: - هيا غنوا معايا..! بينما كان المفروض ان يوزع عليهم نسخاً مما يطالبهم بغنائه.. أصبح الاخوة المطربون لا يظهرون الا ودفاترهم امامهم.. وأصبح الغناء كأن المطرب مصاحب للموسيقى.. وليست الموسيقى مصاحبة له.. وأصبح كل ما عليك وأنت تسمع أي مطرب خليجي أن تركز سمعك على"طرقعة الطيران" وتترك الباقي.. اما اذا اردت ان "تصطمخ" فعليك ب "الطقاقات" فعلى الأقل تتخيل "هيصة" النساء ورقصهن المصاحب ل "الطق" وتسمع التشجيع المصاحب... فهاهي تقول: - طيب.. طيب.. حلوين ياحمام جدة..!! - ايوه.. ايوه عاشوا أهل الرياض! وأحيانا تقول: - سمعوني صوت العدة..! فتصمت الموسيقى ولا يبقى سوى صوت الدفوف.. وابسط ياعم باخشوين.. خيال جميل يلغي الكتابة.. وغناء بدون دفاتر ولا ماضي ولا تاريخ ولا حاضر ايضا تحدى الغناء احساس وانفعال وتفاعل.. ليس مع من تغنى له بالدرجة الأولى فقبل ذلك عليك أن تتفاعل مع ما تقول.. وأم كلثوم التي غنت "الأطلال" وهي في الخامسة والستين واستمرت في الغناء بعد ذاك حتى تجاوزت الثمانين.. وكل من اراد ان يغني ليستمتع لم يلجأ لاسلوب محمد عبده.. لأن شرط الغناء ان تستمتع به اولا.. حتى يمكن أن تنقل حالة عدوى "استمتاعك" لمن يسمع.. حالة عجيبة.. فلا اعتقد ان اي أب يدعى ل "حفل مدرسي" يقبل أن يجد ابنه أمامه ينشد أو يغني من "ورقة" .. طبعا غناء "الدفاتر" جاء من "الاستديوهات" فهي المكان الذي يمكن ان يذهب اليه الفنان ليسجل أغنية حفظ لحنها ولم يكمل حفظ كلماتها فيسجلها مستعينا بالمكتوب امام عدد محدود جدا من العاملين في الأستوديو.. اما ان يتم تعميمها على طريقة محمد عبده.. فهو شيء جديد تماما.. بدأه - صاحبنا - منذ عدة سنوات في غناء جديده وقديمه.. وكرت المسبحة.. ولن تستطيع ان تعاتب أحدهم او تقول له: - يااخي عيب تغني من ورقة.. لأنه عندها سوف يرد قائلا: - شوف فنان العرب يغني من دفتر وزنه كيلو..!! فتقول: - يااخي محمد عبده حافظ احساسه غيب..! قد يسأل: - يعني قصدك بلا احساس..!؟ فتقول: - سيبنا منه انته كيف تقدر تفجر احساسك من ورقة مفرودة قدامك.. أقولك اطوي الورقة أحسن!!