كثيراً ما أبعث رسائل إلكترونية تتضمن جملا من قبيل (سأصل يوم الأربعاء) أو (سأتصل بك يوم الاثنين) أو (سيصلك ردي يوم السبت القادم) .. ورسائل كهذه قد أبعثها إلى دول ومناطق بعيدة تختلف عنا في اللغة والثقافة والتاريخ - بل وخطوط الطول .. وفي لحظات "تجلّ" نادرة أتساءل كيف اتفقنا معهم (واتفق العالم مع بعضه البعض) على اعتبار "اليوم الفلاني" هو الاثنين أو الأربعاء أو السبت!؟ .. تصور معي وصولك الى كوريا أو اليابان في اليوم المحدد ثم تفاجأ بإلغاء حجزك في الفندق لأنهم في كوريا يعيشون يوم (الجمعة) وليس (الأربعاء) مثل بلدك .. غير أن هذا لا يحدث بالطبع كون شعوب العالم تعيش في أيام أسبوع موحدة من حيث الترتيب والمسمى (وكأنها عقدت مؤتمرا عالميا لتوحيدها).. وما يثير الاستغراب أكثر هو اتفاق الثقافات البشرية على العدد (سبعة) رغم عدم مناسبته لتقسيم الأشهر القمرية أو الشمسية ... صحيح أن روما القديمة استعملت الأسابيع القمرية (التي تساوي بالترتيب 6و 7و 8و 9أيام) وصحيح أن الفرنسيين جعلوا الأسبوع عشرة أيام (أيام الثورة الفرنسية) وصحيح أن البلاشفة الروس اختصروه لخمسة أيام (لإلغاء العطلة الأسبوعية) إلا أن الأسبوع ظل دائما سبعة أيام منذ أيام السومريين والبابليين والفراعنة والعبرانيين في حين عرف في الهند منذ 500عام قبل الميلاد (والأغرب من هذا أن يتفق معك اليوم المواطن الهندي والبرازيلي والصيني على موعد الجمعة والسبت والأحد)!!. .. وما يجعلني مهتما بمسألة الأسبوع بالذات (وليس اليوم أو الشهر أو السنة مثلا) عدم ارتباطه بأي ظاهرة فلكية أو مناخية معروفة ؛ فاليوم والشهر والفصول الأربعة مرتبطة بحركة القمر ودوران الأرض حول الشمس .. ورغم ادعاء المجتمعات الغربية بأن فكرة "التسبيع" اقتبست من التوراة التي تشير الى خلق العالم في ستة أيام ارتاح بعدها الخالق "تعالى الله عن ما يقولون علواً كبيراً" في اليوم السابع(!) إلا أن هذا لا يفسر وجود "الاسبوع" في التقاويم الفرعونية والبابلية والسومرية القديمة (وأعتقد شخصيا أن الأخيرة صاحبة الفضل في هذا الاختراع)!. ... على أي حال .. إن تجاوزنا معضلة الأسبوع -والأشهر والفصول - لا يبقى لدينا غير التساؤل عن كيفية اتفاق العالم على توحيد ساعات اليوم (... وهذه أمرها سهل) .. فمنذ وجد الإنسان على سطح الأرض وهو يملك إحساسا بمرور الوقت وابتكر وسائل عديدة لرصده وقياسه .. إلا أن هذه الوسائل كانت تعتمد على توالي الأحداث الفلكية في كل منطقة على حدة وبالتالي ظهور عشرات القياسات المحلية المختلفة (ومازلت أذكر كيف كان الناس في طفولتي "يضبطون" ساعاتهم عند غروب الشمس) .. غير أن ارتفاع نسبة التواصل بين المجتمعات المختلفة ولّد الحاجة للاتفاق على وسيلة توقيت مشتركة .. وتعود أول محاولة إلى عام 1878حين اقترح الجغرافي الكندي سانفورد فليمنج تقسيم العالم الى 24منطقة زمنية (تغطي كل ساعة منها 15خطا من خطوط الطول) .. وفي عام 1884تم الاتفاق على توقيت قرية غرينتش في انجلترا باعتباره التوقيت صفر (نظرا لوقوعها على خط الطول صفر) وبالتالي تتم إضافة ساعة لكل منطقة زمنية تالية وطرح ساعة لكل منطقة سابقة.. وبهذه الطريقة يعرف ساكن غرينتش أن الوقت في الرياض يتقدم عنه بثلاث ساعات - ويعرف ساكن الرياض أن الوقت في سنغافورة يتقدم عليه بخمس ساعات - ويعرف ساكن سنغافورة أن الزمن في سيئول يتقدم عليه بساعة واحدة فقط..! .. شيء جميل ؛ ولكن لايزال السؤال قائماً.. ماذا عن الأسبوع !؟