لا تحب سناء ( 34سنة) الموظفة بإحدى المؤسسات الخاصة الأجنبية بالدار البيضاء أن تتحدث كثيرا عن حياتها العائلية ولا عن تلك الأسئلة التي تسميها "تقليدية" بخصوص "دورها" كأم وربة بيت في المنزل. فسناء المتشبعة بالثقافة الغربية (درست وتخرجت في فرنسا من قسم التجارة الدولية) تعتبر الحديث عن مثل هذه الموضوعات رجوعا إلى الوراء وعائقا أمام تقدم المجتمع، وهي لا تخفي أنها تخوض نمطا مخالفاً لما جرت عليه العادات والتقاليد التي تصفها بالبالية. فزواجها مثلا من ابن عمها (رضا، 32سنة) لم يكن تقليديا أبدا، بل جاء على شكل "تعاقد مدني" توضح فيه الواجبات والحقوق وتقسم فيه الأدوار والمسؤوليات داخل البيت. وما دام أن "سناء" كانت قبل عقد هذا الزواج هي الطرف الذي سيتكفل بإعالة الأسرة ماديا، فقد تم الاتفاق على أن يقوم "رضا" بأشغال البيت. فسناء لديها وظيفة محترمة تدر عليها حوالي 23ألف دولار سنوياً، في حين أن ابن عمها رضا، ورغم امتلاكه لشهادة عليا في العلوم الفيزيائية، لم ينجح في العثور على وظيفة وبقي عرضة لوحش البطالة لسنوات إلى أن تفضلت ابنة عمه سناء بأن اقترحت عليه الزواج بها شريطة القبول بلبس (المريلة) والدخول إلى المطبخ وإعداد الطعام قبل عودتها إلى المنزل، إضافة إلى مهام البيت الأخرى. وبدوره لم يجد رضا بأسا في ذلك، ما دام أنه سيحصل في المقابل على بيت وزوجة ومصروف جيب، وهو شاب عصري، كما يقول، ومتفهم ولا يجد حرجا في أن يتكفل بأعمال المنزل، بل يعتبر أن ذلك عدل طالما أن زوجته تقوم بواجباتها خارج البيت فأين العيب في أن يقوم هو بواجباته داخله؟ ويضيف هذه هي طبيعة الحياة..أخذ وعطاء، وما دمت لم أستطع أن أشتغل خارج البيت فلأكن نافعا وأشتغل داخله". حالة (سناء ورضا) ليست الوحيدة التي تعكس "الثورة" التي أصبحت تعيشها الأسر المغربية الشابة لتسيير شؤون البيت. ففي اتصال مع بعض الأسر الشابة، رفض الزوجان معا أن تكون أعباء البيت "شأناً نسائياً" لا علاقة للرجل به. فالقيام بالأشغال المنزلية يكون لمن له الوقت والقدرة، وهم يرفضون النمط "التقليدي" السائد الذي يلقي كل المهام على المرأة و"يعفي" الرجل من كل المسؤوليات داخل البيت.لكن تغير هذه النظرة لم يكن بسبب تغير المستويات الثقافية للشباب المعاصر فحسب، كما يقول السوسيولوجي المغربي حسن القرنفي. ويضيف أن تغير الوضع الاقتصادي له تأثيره المباشر على الموضوع. فالبطالة التي زحفت على شرائح واسعة من أبناء المجتمع، بمن فيهم أصحاب الشهادات العليا، تسببت في زعزعة ذلك النمط التقليدي السائد الذي جعلت "القوامة المادية" للرجل تتهاوى بحيث أصبحت النساء يتوفرن على وظيفة ودخل ثابت. هذا النوع من الزيجات ارتفعت نسبته بشكل ملحوظ، كما أكدت ذلك مصادر من داخل محكمة الأسرة بالدار البيضاء ل"الرياض". فالكثير من طلبات الزواج يكون فيها الزوج عاطلا عن العمل في حين تكون المرأة متوفرة على عمل محترم بأجر جيد. وهو الأمر الذي ساعد على هذا "الانقلاب السلمي" في طبيعة الأدوار داخل البيت، وجعل هذا النوع من "زواج المصلحة" يتكاثر، أي زواج (أتزوجك حبيبي وأنقذك من البطالة وأزيد فأعطيك مصروف الجيب، لكن عليك أن توفر لي شروط الراحة في البيت بأن تعد لي الطعام حين أعود وتجعل بيتنا نظيفا والسرير جاهزا). ويشار في هذا الإطار إلى أن أكثر من 20في المائة من الأسر المغربية تعيلها النساء. وكانت دراسات اجتماعية أشارت إلى أن ظاهرة النساء المعيلات لأسرهن في تزايد متتال بالمغرب بالنظر لمجموعة من الاعتبارات لعل أهمها الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتغيرات الجذرية التي طرأت على بنية الأسر المغربية.