في نهاية شهر أغسطس الجاري ينتظر أن تؤكد الأرقام النهائية المتعلقة بإنتاج الحبوب في كبرى البلدان المصدرة لها توقعات الخبراء حول نتائج الموسم الزراعي الصيفي. وقد بدا هؤلاء الخبراء متفائلين كثيرا خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة في مايخص حصيلة الموسم الزراعي في هذه البلدان. وهو مثلا حال البلدان الأوروبية المنخرطة في الاتحاد الأوروبي؛ فإحصائيات المفوضية الأوروبية والمؤسسات التي تعنى بالاقتصاد الزراعي الأوروبي توقعت أن يتجاوز مجمل إنتاج الحبوب في بلدان الاتحاد الأوروبي في أعقاب الموسم الزراعي الصيفي ثلاث مائة مليون طن. أي بزيادة قدرها ثلاثة وأربعون مليون طن على الكميات التي أنتجت العام الماضي. بل إن الخبراء يرون في توقعاتهم أن معدل إنتاج الحبوب في بلدان الاتحاد الأوروبي هذه السنة سيرتفع بنسبة تسعة بالمائة عن معدلات الإنتاج طوال السنوات الخمس الماضية. وقد توقع خبراء الاقتصاد الزراعي أن يكون اللفت السكري والذرة والقمح في مقدمة المنتجات الزراعية التي سيرتفع إنتاجها هذه السنة في أوروبا عما كانت عليه العام الماضي.ومن ثم ينتظر أن تقارب نسبة الزيادة في مايخص اللفت السكري عشرين بالمائة بينما ينتظر أن تبلغ نسبة الزيادة قرابة ثلاثة عشر بالمائة في ما يخص القمح وعشرة بالمائة بالنسبة إلى الذرة. وتنسحب هذه التوقعات أيضا على الولاياتالمتحدةالأمريكية وبلدان كثيرة أخرى تنتمي هي الأخرى إلى كبار مصدري الحبوب في العالم وهو حال أوكرانيا وكندا وأستراليا. حوافز والحقيقة أن هناك عوامل كثيرة تكمن وراء الاتجاه الحالي لزيادة إنتاج الحبوب في أعقاب الموسم الزراعي الصيفي الحالي في هذه البلدان من أهمها عاملان اثنان هما الظروف المناخية، وتوسيع رقعة الأراضي التي زرعت فيها الحبوب. فإذا كانت السنتان الماضيتان من السنوات العجاف في أوروبا وأستراليا والولاياتالمتحدة وكندا بسبب الجفاف الحاد أو التقلبات المناخية، فإن الأمطار نزلت بما فيه الكفاية هذه السنة في هذه البلدان التي لم تشهد تقلبات مناخية غير عادية على عكس ماحصل العام الماضي.زد على ذلك أن ارتفاع أسعار الحبوب غير المسبوق خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي في الأسواق العالمية أدى إلى توسيع رقعة الأراضي الزراعية المخصصة للحبوب. ففي بلدان الاتحاد الأوروبي تخلت المفوضية الأوروبية عن كثير من الإجراءات الصارمة التي كانت تفرضها على المزارعين الأوروبيين للحد من الإنتاج أيام كانت وفرة الإنتاج مشكلة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. ومن هذه الإجراءات تلك التي كانت المفوضية تطالب بموجبها المزارعين بعدم فلح جانب من مزارعهم مقابل الحصول على مساعدات زراعية. وأدى التخلي عن هذا الإجراء إلى رفع رقعة الحقول المزروعة بالحبوب بنسبة خمسة بالمائة. وفي الولاياتالمتحدة بلغت نسبة الأراضي الإضافية التي زرعت حبوباً هذه السنة بالقياس إلى السنة الماضية تسعة بالمائة. سياق جديد وبالرغم من أن التوجه الرامي إلى تأكيد توقعات الخبراء حول نتائج الموسم الزراعي الصيفي قد أسهم في وضع حد "لالتهاب" أسعار الحبوب في الأسواق العالمية في الأسابيع الأخيرة، فإن أغلب المحللين الاقتصاديين المهتمين بمواد الاستهلاك الأساسية الغذائية متفقون على أن الأسعار لن تعود إلى ماكانت عليه قبل ارتفاعها المشطّ خلال السنة الجارية لعدة أسباب منها بشكل خاص ارتفاع نسبة الإقبال على الحبوب في العالم ولاسيما في البلدان النامية والبلدان الناشئة. بل إن إقبال الصينيين والهنود المتزايد على القمح يعد وحده عنصرا مهما من العناصر التي ستجعل أسعار هذا المنتج مرتفعة خلال السنوات العشر المقبلة ؛ فالصينيون والهنود يشكلون أكثر من ثلث سكان العالم ، وبقدر ماتتحسن أوضاعهم المعيشية بقدر ما يبدون رغبة في امتلاك عادات غذائية جديدة تجعلهم يستهلكون الخبز المصنوع من القمح بدل الاكتفاء بوجبة يكون الأرز سيدها. وواضح اليوم أن التغيرات المناخية ستنعكس سلبا على مقدرة البلدان النامية على ضمان أمنها الغذائي وستجعلها تعتمد أكثر فأكثر على الحبوب المستوردة. وصحيح أن ظاهرة الاحتباس الحراري ستسمح في المستقبل مثلا لأوكرانيا وروسيا وكندا برفع رقعة الأراضي المخصصة للإنتاج الزراعي. ولكن مساحات كبيرة فيها ستخصص لإنتاج الوقود الحيوي على حساب الأمن الغذائي.