لو كان لدول العالم بورصة ومؤشر ارتفاع وانخفاض كما للأسهم، فلا أشك أن أسهم الصين ستسجل ارتفاعاً ملحوظاً ومميزاً هذه الأيام. فمنذ الافتتاح الأسطوري لحفل أولمبياد بكين وذكر - الصين الحضارية والتاريخية وليست الصين الاستهلاكية - مشوباً بالانبهار والإعجاب لابد أن يغزو مسمعك كل يوم أو اثنين على الأكثر. ما الذي فعلته الصين لتغيب كل تلك الأصوات عن تاريخها السيئ في سجل حقوق الإنسان والتي وصلت حد المطالبة بعدم منحها فرصة إقامة الأولمبياد. كيف استطاعت الصين أن تغير من صورتها النمطية في ذهني وذهنك عن كونها دولة التقليد والمنتجات الاستهلاكية ذات الجودة المنخفضة إلى صورة أكثر بهاءً وإشراقاً وحضارةً بحفل لم يدم أكثر من ثلاث ساعات؟ في حين أن المسلمين ينفقون ملايين الدولارات ومئات الساعات واللقاءات والفعاليات في محاولات باهتة ومستميتة لتغيير الصورة النمطية عنهم في الخارج؟. أعتقد أن الفرق لا يرتبط بالكم ولكن بالكيف. فالصين قدمت للعالم فناً حقيقياً وحضارة عريقة في صورة بهية ومذهلة فكان من الطبيعي أن تحصد إعجاباً لا يقاوم وتقديراً كبيراً وإن بدا غير مبرر أحياناً. حين أرادت الصين أن تقدم نفسها للعالم لم تلجأ لخبراء تجميل أجانب، ولم تضطر لتطويع ثقافتها للمقاييس الغربية أو الشرقية ولكنها وظفت كل فنون ومعارف الأرض لتوصل نفسها كما هي، بتنوعها وجماليتها وتحديها. الأمر الآخر الذي أتقنته الصين هو انتقاء الفعالية المناسبة والصحيحة، لم تحرص الصين كثيراً على تدعيم الزيارات الرسمية أو السياسية، بقدر ما حرصت على توظيف فعالية شعبية تماماً لتعكس من خلالها صورة جميلة عنها وتحرف اتجاه التفكير بها في أذهان العالم. أنجزت الصين كل هذا الإنجاز دون ضجيج إعلامي بأنها فعلت أو ستفعل بل اكتفت بالعمل في صمت واثقة أن النتائج ستكون في صالحها لأن العمل الدؤوب لا يمكن إلا أن ينجح.