مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، أحد أهم المنجزات الحضارية في عهده الزاهر، والذي سخرت له الدولة الإمكانات المادية والبشرية، كيف يمكن استثماره كمشروع تنويري نهضوي، وكأداة لنقل العلم والمعرفة بكافة فروعها من منابعها الأصلية، أي كيف لنا استثمار البعثات العلمية لصناعة نهضة حضارية مثلما فعلت اليابان التي صنعت بداية مجدها الصناعي والاقتصادي على يد مجموعات من البعثات العلمية استطاعت أن تنقل لها أسرار الصناعة الغربية وعملت على تطويرها حتى تحولت مع مرور الوقت إلى عملاق صناعي. وقبلها مشروع محمد علي التنويري الذي بنيت من خلاله نهضة مصر الحديثة؟ أعتقد أننا بحاجة لاستغلال الفرص المتاحة لتحويل هذا المشروع العملاق إلى برنامج عمل متواصل، ولن يتم ذلك إلا إذا تم اختيار المبتعثين بعناية. وإذا عرف المبتعث على وجه التحديد ما هو المطلوب منه أن يتعلمه، وما يجب عليه عمله بعد عودته، أي أن يكون على بصيرة من الأمر بواجباته تجاه وطنه ومجتمعه بعد عودته لجني ثمار المعرفة التي اكتسبها. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تم اختيارهم وفق شروط موضوعية صارمة لا يتوقع معها أن يتعثر المبتعث بعد دخوله الجامعة الأجنبية نتيجة عجزه العلمي، أو تصرفه الأدبي أو الأخلاقي. وان لا يتأثر البرنامج بعوامل المجاملة، أو دعوات جهات أخرى للاستفادة من برامجه وكأنه مشروع خيري إلا إذا توفرت الشروط الموضوعية بالمرشح للابتعاث كالموهبة والتمتع بالقدرات العلمية المميزة. ولا بأس من جعل عدد المبتعثين في الحدود المعقولة، ليصبح النافع غير المكلف . وفي مرحلة لاحقة، يتمنى الكثير أن ينطلق هذا المشروع الذي يحمل اسم ملك البلاد إلى أفق أوسع. وان لا يقتصر على العلوم النظرية التي يمكن أن تتوفر في الداخل بعد التوسع والنمو في الجامعات السعودية الحكومية والخاصة. بل يشمل، ويتركز على معرفة أسرار التقنية ومحاولة نقلها. وان يكون الابتعاث إلى المعامل والمصانع التي تشرف عليها الشركات الكبرى، والأكاديميات المتخصصة . وقد قرأنا وسمعنا عن اتفاقيات التعاون التي وقعتها المؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني مع عدة دول في آسيا وأوروبا. لكننا لم نسمع عن تفعيل تلك الاتفاقيات بإيفاد قوافل من المبتعثين إلى تلك الدول لإكسابهم المهارات العلمية والعملية في الجوانب التي تحتاج إليها متطلبات التنمية، إن كانت تلك الاتفاقيات تشمل ذلك. فهي لا تقل أهمية عن علوم الطب والهندسة وفروع العلوم الانسانية التي يوفد من اجلها المبتعثون السعوديون.