في التقويم السينمائي لدى هوليوود فإن موسم الصيف قد انتهى، وبنهايته يدخل النيويوركي النشأة والأوربي الهوى "وودي آلن" بفيلمه الجديد المرتقب (فيكي كريستسنا برشلونه-) الذي افتتح رسمياً بعرض خاص خارج المسابقة الرسمية في الدورة الماضية من مهرجان كان الدولي، ورأى فيه النقاد عودة قوية لسينما وودي آلن بعد أن خيب الجمهور بفيلميه اللندنيين "سكوب" 2006و"كاساندرا دريمز" 2007الذين جاءا بعد رائعته اللندنية الأخرى "ماتش بوينت" 2005لذلك فالمقولة القديمة التي لاحقت آلن في التسعينيات بأنه في مرحلة البحث عن روحه التي فقدها في نيويوورك سيتم طرحها مرة أخرى بعد أن كان الجميع قد اقتنع أن "وودي" وجد في لندن ما لم يجده في نيويورك موطنه السينمائي الأصلي ومدينته الساحرة التي كانت نجمة أفلامه القديمة، فخروج وودي من لندن إلى برشلونة في فيلمه الجديد هو في الحقيقة امتداد لرحلته الأوربية التي قاربت على الانتهاء، فالذي يعد أفلامه اللندنية كثلاثية لا يمكنه الجزم بأن "وودي" على وشك الدخول في ثلاثية أسبانية أخرى. الفيلم سيعرض جماهيرياً في أمريكا هذا الأسبوع وبعد يومين سيعرض في مهرجان سان سباستيان الدولي في أسبانيا، والذي كان منذ بداية المشروع هدف الممولين عكس "وودي" الذي كانت رغبته على الدوام التوجه إلى مهرجان كان. يحكي الفيلم حكاية صديقتين أمريكيتين، "فيكي" والتي تقوم بتأدية دورها الممثلة ريبيكا هال و"كريستينا" والتي تؤدي شخصيتها "سكارليت جوهانسن" في ثالث تعاون يجمعها مع وودي آلن الذي يبدو أنه وجد فيها نسخة عصرية من "ديان كيتون" و"ميا فارو". تتوجه فيكي وكريستينا إلى برشلونة لقضاء إجازة صيفية مشمسة وهناك وقعت الاثنتان في حب فنان أسباني يؤدي دوره "خافيير بارديم" صاحب الأوسكار الأخير عن دوره الجميل في "لا وطن للعجائز". لكن عشق الصديقتين يصطدم بعقبة كبيرة هي المرأة المجنونة والزوجة السابقة للفنان الإسباني التي تؤدي دورها الممثلة بينولبي كروز. وبلغة شباك التذاكر فإن الفيلم لا يبدو محظوظاً لمجابهته "فارس الظلام" بأرقامه الخيالية التي يبدو أنها ستتجاوز أسطورة التايتنك، إلا أن الذي يعرف "وودي آلن" ونوع الأفلام التي يقدمها يدرك أنه لا يهتم كثيراً بمسألة الأرباح في الشباك الأمريكي، رغم أن فيلمه الجديد يضم نجوماً مثيرين لانتباه الجمهور مثل "جوهانسن وكروز وبارديم". وفي كل الأحوال تبقى أفلام "آلن" نخبوية الطابع رغم حيويتها وبساطتها، وفيما يخص أجواء قصته الأسبانية الأخيرة فقد شبهها الكثيرون ممن شاهدوا الفيلم بأجواء المخرج الأسباني "بيدرو المودفار" وهذا يعني أن هناك العديد من المشاهد المثيرة، والجريئة، خاصة وأن حبكة العلاقات الرومنسية الثلاثية تقتضي ذلك بكل كلاسيكيتها المألوفة والتي أضفى عليها "وودي" روحه الكوميدية الخاصة جداً. وبعيداً عن جو الجريمة والقتامة التي صاحبت وودي في ثلاثيته اللندنية، فإن برشلونة لا تحتمل إلا رومنسية كوميدية خفيفة مناسبة لأجواء المهرجانات الخريفية ولجمهور لازال يأمل في مشاهدة كوميديا وودي آلن المعهودة، اللاذعة والذكية والفلسفية، والتي أكد حضورها مراجعات النقاد المشجعة كثيراً، حتى وإن كان "وودي" بأفلامه الكثيرة جداً، بمعدل فيلم كل سنة، لازال يتخبط في أوربا في انتظار عودته لنيويورك.. لكن هل يوجد أفضل من مشاهدة لندن وبرشلونة من خلال عيون وودي آلن الساخرة والرومانسية؟.