سر إطلالته الساحرة وعذوبة صوته أسرت محبيه الذين حضروا منذ الساعة العاشرة لسماعه على مسرح نجوم الأرض السعيدة بدمشق، فنان العرب محمد عبده اطل عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حيث رسم له الجمهور بمختلف مشاعرهم الفياضة تحية حب مدوية تناثر منها أريج العطر ناشرا عبقه في أجواء المكان، محمد عبده تلك القامة الفنية العربية الكبيرة ومن خلال تقاسيم وجهه ونظراته شعر بان هناك خللاً في التنظيم والرعاية لهذا الحفل الكبير الذي كان يتوقع أن يكون كرنفالاً شعبيا تفوح منه رائحة الياسمين الدمشقي، وبرغم آهاته المسكونة والمستكينة اتجاه هذا الحضور الخجول فانه لم يبخل في تلوين نسمات تلك الليلة وقدم بصوته النقي باقة منوعة من أجمل أغاني الطرب الأصيل وسط أجواء مفعمة بالتواصل والتفاعل والانسجام من الجمهور، وفي وصلته الساحرة التي استمرت أكثر من ثلاث ساعات حلق محمد عبده بصوته الذهبي وغنى أغنيات من ألبومه الأخير "الهوى الغايب" وهي "مغرورة وهذا المسا" ثم انتقل إلى فضاءات الكلمات الساحرة وغنى "شبيه الريح وبنت النور ومذهلة وبعاد كنتوا ولا قريبين وماعاد بدري، وبناء على طلب الجمهور غنى محمد عبده "الأماكن" التي ألهبت جنبات المسرح وسط صيحات وتصفيق الجمهور. هي المرة الأولى التي يغني فيها محمد عبده في سوريا، حيث كانت قناديل الليل ترخي بظلالها على عطر الكلمات وتنير الصور الشعرية الدافئة، وكأن فنان العرب أراد أن يرد التحية لعشاقه ومحبيه على طريقته الخاصة عندما قدم لهم جزءاً من خلاصة تجربته الإبداعية التي جمعت في كينونتها وجماليتها بين الأصالة والحداثة والعشق الموشح والمطرز بالحب والوفاء، لايمكن وصف تلك الليلة التي كان قمرها فنان العرب محمد عبده، ولايمكن للكلمات أن تعبر عن ماهية وجذوة الروح التي أذابت الكلمات في فضاءات الزمان والمكان ونسجت منها حصيرة نجدية تربع عليها مارد الفن الأصيل ليقول لجمهوره بنبرة شفافة "أنا أحبكم أيضا وجئت لأرد التحية"، لقد حمل النجم في جعبته الى دمشق عناقيد النخيل ورائحة الصحراء الذكية وحلق في فضاءات العقل والقلب ناثرا أجمل ألوان الصور الشعرية الممزوجة بالحب.