عندما يخوض من لم يكلف نفسه عناء البحث و الدراسة والتقصي في موضوع الفقر والفقراء تسمع العجب من استنتاجات خاطئة. تبرع أحد الكتاب بجملة دعائية واستنتاج سطحي. فسعادته فوجئ بأن أسواق الرياض مكتظة بالمتسوقين فاستنتج أن أحوال الناس بخير وأن الرياض ليس فيها فقراء. ولو كان استنتاجا بينه وبين "ربعه" أو في مجلسه الخاص لكان حرا ولكنه كتبه في زاويته. منطق صاحبنا الكاتب عجيب فهل ترى لو ذهب كاتبنا لزيارة مستشفى ووجده مكتظاً لاستنتج أن كل سكان الرياض مرضى. ولكم أن تتصوروا استنتاجه لو زار السجن ووجده مكتظا. وأكتفي بهذا للدلالة على خطأ استنتاجه. أعجب من ذلك ما سمعته من أحد الحضور في مناسبة اجتماعية. حاول صاحبنا أن يجد له حجزا للسفر خلال فترة الصيف ولم يجد لأن الرحلات محجوزة. قال مستنكرا "ويقولون عندنا فقراء". مهلا مهلا! نعم عندنا فقراء، أما استنتاجك من كثرة الحجوزات على قلة الفقراء فخطأ ظاهر، وسأبين لك.. كم سيسافر من السعودية هذا الصيف؟ لنفترض جدلا أنهم مليون شخص. نحذف منهم الأجانب العائدين لديارهم خلال فترة الصيف وهؤلاء يمثلون 50% على الأقل. أي يتبقى 500ألف شخص. الآن نحذف من لم يدفع أجر شهره لشراء تذكرة وحجز فندق. 25ألف شخص. يتبقى 575ألف شخص. ومن هؤلاء من يأتيهم رزقهم رغدا من حيث يعلمون ولنفترض أن عددهم 75ألف شخص. الباقي من المليون مسافر 400ألف سعودي. نحذف منهم المسافرين بميزانية قليلة لجنوب شرق آسيا أو بعض الدول العربية (ميزانية السفر لاتتعدى ثلاثون ألف ريال له ولعائلته) يتبقى مائتا ألف سعودي قادرون على السفر بكرامة من دون أن تؤثر مصاريف السفر على أحوالهم المعيشية. مع العلم أنني لم أحذف من يسافر أكثر من مرة من رجال الأعمال والموسرين والمسؤولين. فكيف استنتج صاحبنا أن قدرة 200ألف سعودي على السفر تنفي صفة الفقر والعوز عن ( 18مليون) سعودي. إن موضوع الفقر أكبر وأخطر من أن يعرفه كاتب من خلال مشاهداته في الأسواق أو مسافر لم يجد له حجزا لسفر الصيف. للفقر طرق عملية وضعها علماء الاجتماع هي التي يعتمد عليها في تحديد مشكلة الفقر في المجتمعات، ويختلف التعريف من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة. إذا أردنا أن نعرف نسبة الفقراء السعوديين فليس أقل من أن نحدد مجموعة الأشياء الضرورية التي لاغنى لأسرة عنها بما في ذلك الدخل ثم نقوم بدراسة لمعرفة كم من السعوديين لاتتوفر لهم تلك الضروريات ومنها نعرف نسبة الفقراء. في ظل غياب الإحصائيات لا نستطيع الجزم ولكن موقع العربية الإلكتروني أشار بناء على تقديرات أولية إلى أن قرابة 20% من السعوديين يعيشون فقرا مدقعا (على افتراض أن السعوديين 12مليون فهناك مليونان وأربعمائة ألف يعيشون الفقر).