هو الموتُ.. سيرة ذكرى.. عذابات من بعدنا بعدنا.. بعض ما يترك الرملُ فوق زجاج المواعيد.. أخبارنا في المجلات.. أسماؤنا في المحلات أو وجه جدّي إذا غادرتنا الحكايا ذكرناهُ.. أو كذَّبتنا المرايا رأيناه يمشط لحية أيامه الفانية أراه الخيالات بين رفوف الستائر.. راود عن نفسه وانتهى بالغبار..! عناوينه كل دار..! وأسماءه دمعة لا انفصام لها..! هو الموتُ من ثقب نافذتي.. واقفاً يمسح الآن جبهته من تراب القبور وسوق الخطايا يدي.. لا تصافحه غير أني أمد له اصبعاً كالنميمة... خط بدفتر عائلتي نصف حزني.. ورد السلام على ضحكتي..! هو الموت.. يا شقوتي..! ابيضاً كنهار اللبن..! أسوداً كبياض الكفن..! قاتماً كغبار الزمن..! .. ممسكاً ظل قبعتي.. واقفاً فوق سور الكلام.. يعلق أخباره في البنايات يعبثُ أطفاله في الشوارع، يعلن عن منتج ذائع في بلاد النهايات.. يبدأ تاريخه بالحداد..!.. (.. من عصر ذات العماد... ومن أمة باقية..! رأى الله أن الوقود رفات.. وأن الخلود بيات.. وأن الرسالات والأنبياء شعوب تعارفُ.. ما فات مات..!! هو الموتُ.. إن ضج سوق الضجر وإن حج نصف البشر وأسلمت الفئة الباغية..) هو الموتُ.. أمَّا انتهى.. ما انتهى وامَّا.. يؤخرنا فنطيل الحكايا.. ونمضي نجر قطار الذنوب.. ونعجز حتى عن الامتعاض..! يزاورنا بين حين وحين.. يبشرنا بالقريب.. ويرسلنا للبعيد فنأخذه للهروب..! @ @ @ الموت ولادة تاريخ لا يعتني به كل من يموت قبله..! علينا نسيان قصائد الرثاء عندما نموت! حتى وإن تباكى الشعراء من الفقر، أو ترنحت الظلال من دوخة الرقص، ودوار التذكّر..! الموت ذاكرة للنسيان.. شيخ تلفع بالسواد متجهاً للزوال.. حين يبشر بالعودة إلى الطين.. الموت ساعة صغيرة على معصم فتاة مشلول..! عمود رخامي في ميدان المزدحمين.. عُلقت عليه ساعة ضخمة لا تتكرر أجراسها..! ثقب في طبقة الشجون ينفذ عبره بخارُ المواقف والتواريخ والأحداث.. فلا يتكثف السحاب، ولا تحمله الرياح بمشيئتها حتى وإن أذن لها الرشيد..! الموت عود كبريت هاجع لا يشتعل وحده.. إلا حينما يأكل الذنب من الأمم القاصية..! انه لحظة أفول مذهولة.. ولفظة ذهول مأهولة بنوم القلوب واستراحة الدم من رحلات الفصول الأربعة! بكاء من بعدنا عليهم حينما يشبهوننا آخر الطريق..! ليس بين الشاعر والشاعر إلا الموت.. وليس بين الموت والموت إلا ما يدركه الشاعر..! لهذا فقط مات طرفة بن العبد مبكراً.. وعمّر لائمه طويلاً.. ولهذا فقط كلما هيأنا للموت ذاكرة حية.. أعاد (موت) الشاعر لذاكرتنا الحياة..!