ربما أراد الفنان اللبناني جورج الزعني من خلال معرضه "سماء عربية ونجمتان - تحية الى ادوارد سعيد ومحمود درويش" الذي يقام حاليا في دار الأوبرا السورية أن يعزف على أوتار العقل والقلب معا بعيدا عن تقاليد المحاكاة التشكيلية وعوالمها الممزوجة بالحكايات والألوان الاصطناعية، حيث استطاع الزعني من خلال تقديمه رؤى فكرية ممزوجة بفضاءات بصرية أن يعيد تنشيط الذاكرة المثقوبة عند بعض الناس ويستعيد مرئيات وإيقاعات رحلة المبدعين الكبيرين ادوار سعيد ومحمود درويش، الزعني ومن خلال أطياف الذاكرة والعلاقة الحميمية التي تربطه بالرجلين قدم لوحات تعج بالحركات الانفعالية والأناشيد الملحمية في قراءة أدبية للماضي والحاضر والمستقبل، خارطة اقرب الى المتناقضات في معناها وتشكيلها المجازي (حالة الوطن والاغتراب والانهيارات العربية والواقع المؤلم خارج التاريخ) ولاشك بان إعادة الصورة بالأبيض والأسود من خلال النيكاتيف والبوزاتيف جسد اللقطات المفردة لحركة اليدين وتعابير الوجه وحلق بصيرورة الفكر الإبداعي في أكثر من خمسين صورة للمحتفى بهما تحكي قصة البداية وتراجيديا النهاية، اللوحات زينتها تشكيلات حروفية ومنمنمات شرقية معبرة تتماشى مع أحداثيات اللوحات، كما قدم الزعني لوحات خاصة تحكي سيرة درويش وسعيد ولمحة عن إصداراتهما ومسيرتهما الإبداعية . لقد أراد الزعني إسقاط الرموز على الواقع ونثر سنابل القمح وقليل من الخبز والملح على واقع لايعترف مع الأسف بإنسانية الإنسان في إشارة الى ماهية السلام والحوار الحضاري والإنساني المفقود في العالم، وفي دردشة مع ثقافة اليوم قال الزعني إن المعرض رسالة محبة لكل الشعوب وإحياء للذاكرة المنكوبة وتحية للمبدعين ادوار ودرويش اللذين استطاعا من خلال فكرهما المبدع مواجهة الاحتلال والتعريف بقضية العرب في العالم وحشد الأصوات الشريفة لنصرة فلسطين وشعبها. لقد قاربت لوحات المعرض بأبجديتها التعبيرية قصائد درويش الملحمية وأفكار سعيد الإبداعية وتركت للمتلقي مساحة واسعة من التفكر والتفكير في كينونة ايمائياتها الجدلية المفعمة بالإشارات الانطباعية، كما نسجت في لغتها الفنية التراكمية والتعبيرية معالم رحلة مليئة بالتعب الجميل لرجلين سيسجلهما التاريخ بأحرف من ذهب، ثقافة اليوم حضرت المعرض وعادت بهذه اللقطات.