الجيل الذي قُدر له أن يعيش تفاصيل الطفرة الاقتصادية الاولى والتي بدأت مع خطة الدولة الاولى وظهرت إرهاصاتها في العام 1395ه - 1975م واستمرت حتى عام 1405ه - 1985م تقريباً عرف التحولات الحضارية والعمرانية من بداية استلام قروض صندوق التنمية العقارية ولوحته الشهيرة التي كانت تعلق على المباني والقروض الزراعية والصناعية. ذلك الجيل كان شاهداً على تحولات عمرانية كبيرة نقلت المدن من البيوت الطينية والشوارع الترابية والازقة الضيقة وبيوت العشش والصفيح والصنادق ومنازل الدور الواحد إلى الفلل والعمائر واراضي المنح الحكومية والشوارع الواسعة والمُنارة والمغطاة بطبقة الاسفلت .. كانت قفزة عمرانية لم تكن في ذهن من خططوا في تلك المرحلة لأن المدن انقلبت على نفسها وعلى بيئتها من مدن الطين والحجر وعشش أغصان الأشجار وملحقاتها من الصفيح إلى مبان من (الصبة) الخرسانية والواجهات الرخامية والأرضية (المسرمكة) والنوافذ الحديدية والجدران المصمتة فلا الإنسان في تلك الفترة صدّق نفسه ولا المدينة استوعبت التغيير داخلها وفيما بعد القرى والأرياف وتجمعات قرى السواحل والجبال والأراضي التهامية لتصبح قرى محدثة وبمواصفات عصرية.. الطفرة الاقتصادية والتي يطلق عليها (التنمية) بكى عليها الكثير من الراصدين بل عضّوا أصابع الندم كيف مرت الطفرة دون استثمارها كامل الاستثمار؟.. كيف مرت كالعاصفة السريعة دون تحقيق كل الأهداف؟.. كيف مرت السنوات العشر دون استكمال جميع مرتكزات ومقومات التنمية الحضارية رغم أن الطفرة الاولى تحققت فيها معظم الأعمال الضخمة بالنسبة للمدينة والتحضر فكان لها بعد إرادة الله سبحانه وتعالى ثم قيادة هذه البلاد والمخططين والإشرافيين والتنفيذيين في تلك المرحلة الفضل في تشييد البنية التحتية لمعظم مناطق ومدن وقرى المملكة .. وتم في تلك المرحلة أيضاً عمل البنية التحتية ك : شبكة المياه، والصرف الصحي، وتصريف السيول، وشبكة الكهرباء، والهاتف، وشبكة الطرق السريعة، والزراعية، وشبكات الطرق الداخلية في المدن والقرى، وإنشاء مدن جديدة، ونقل المباني والوحدات الخاصة من الحجر والطين إلى المباني الخرسانية الاسمنتية، وسدود المياه والمطارات، ومنح الاراضي السكنية والمخططات الجماعية، كما شملت التطور في المشاريع الزراعية والصناعية، وما رافق ذلك من إجراءات ادارية وهندسية. الآن نحن في طفرة اقتصادية مالية قد تفوق المرحلة السابقة من حيث تدفق العوائد المالية وما تتحصل عليه أجهزة الدولة من ميزانيات سنوية وما لدى القطاع الخاص من وفرة مالية قد تصل إلى التضخم. فهل نفذت وكيف استفاد منها قطاع الخدمات؟.. هل استكملت جميع شبكات المياه والصرف الصحي وتصريف السيول وشبكات الطرق والكهرباء والجسور والأنفاق؟.. هل خطط لمدن حضارية سكانية جديدة؟.. هل بنيت معظم المدارس والجامعات والمستشفيات ومقرات الوزارات واستُكملت المشاريع البلدية والطرق والمياه؟.. للأسف أن أكثر هذه المشاريع إما على ورق أو متعثرة أو لم يُخطط لها بعدُ باستثناء المشاريع التي شكل لها الملك عبدالله بن عبدالعزيز هيئات وإدارات مستقلة لتنفيذها ومتابعتها مثل المدن الاقتصادية والصناعية والجامعات، سيأتي وقت قريب نعض فيه أصابع الندم ونبكي بحرارة على أيام الطفرة الاقتصادية الثانية التي لم نستثمرها ونستكمل مشاريعنا العمرانية والحضارية..