لا يمكن لأحد المزايدة على مكانة المملكة العالمية فإلى جانب كونها تمثل ثقلاً عربياً وإسلامياً فهي تمثل ثقلاً اقتصادياً، وهذه المكانة مكنتها من القيام بأدوار طليعية تبنت عبرها الدفاع عن قضايا الأمة، بل وأوجدت محددات واضحة للتعامل مع قضايانا المصيرية فكانت ولاتزال السد المنيع في مواجهة أي محاولات للمساس بالأمن أو الاستقرار أو المصالح، بل واضحت القائد لأي تفاهم أو حوار مع القوى والتجمعات والكيانات الأخرى ذلك أنها تملك القدرة والمكانة وأدوات التفاهم والحوار بما يعود بالنفع على الأمتين العربية والإسلامية وكافة القضايا المصيرية .. ومن هذا المنطلق فلا غرابة عندما تتقاطر الوفود في زيارات متتالية على المملكة من أجل التفاهم والتنسيق حول مختلف القضايا السياسية والاقتصادية، بل والتعاون فيما يعود بالفائدة على المملكة بشكل خاص أو المنطقة بشكل عام. ولا يتوقف الدور السعودي على استقبال الوفود الرفيعة المستوى والتباحث معها في كافة القضايا، بل إن القيادة السعودية تقوم هي الأخرى بالاتصال المباشر مع كافة دول العالم ومع عواصم صنع القرار والمنظمات الدولية بغية تحقيق المصالح للأمة وذلك عن طريق الرسائل المتبادلة أو الزيارات الشخصية، وما زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الأخيرة إلى أسبانيا إلا واحدة من هذه الزيارات المهمة والتواصل مع العالم من أجل مصالح الوطن بشكل خاص ومصالح الأمة بشكل أوسع وأعم. فقد حققت زيارة سمو الأمير سلطان إلى مدريد ولقاؤه جلالة ملك أسبانيا خوان كارلوس الأول ورئيس الوزراء والمسؤولين الأسبان نتائج إيجابية ستعود بلاشك بمنافع كبيرة على الوطن والأمة. وبقراءة متأنية للبيان الختامي الذي صدر عقب الزيارة التي قام بها سمو ولي العهد للعاصمة الاسبانية مدريد من الفترة 1- 4جمادى الآخر الجاري نجد أن البيان قام بتغطية الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين، بالإضافة إلى القضايا الدولية والاقليمية ذات الاهتمام المشترك. حيث أكد البيان الشامل على تطوير العلاقة الثنائية بين البلدين في كافة المجالات.. كما أكد على ضرورة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي. وعبَّر البيان المشترك عن ارتياحه لتوقيع مذكرة التفاهم بين وزارة الدفاع والطيران في المملكة ووزارة الدفاع والطيران في مملكة اسبانيا في مجال الدفاع. أما فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط فقد أكد الجانبان السعودي والاسباني على تعزيز الجهود السعودية الاسبانية المشتركة لدعم عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط وعلى الالتزام بتناول القضايا الرئيسة في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي للوصول إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. كما تطرق البيان إلى الشأن اللبناني والملف النووي الإيراني، حيث حث الجانبان المجتمع الدولي على بذل الجهود لحل هذا الملف بالطرق الدبلوماسية، ودعا جميع دول منطقة الشرق الأوسط إلى الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل طبقاً للقرارات الدولية في هذا الشأن. وأشار البيان إلى الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب وشدد على ادانته بكافة أشكاله التي تهدد الأمن والسلم والاستقرار في شتى أنحاء العالم. كما نبذ البيان فكرة صدام الحضارات وناشد دعم المبادرات التي تدعو إلى التعايش السلمي، كما رحب بتحالف الحضارات ومبارة الأممالمتحدة. وقد شدد الجانب الاسباني على الأهمية البالغة لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بشأن حوار الأديان، وقد علَّق المراقبون الأسبان في كبرى وسائل الإعلام الاسبانية على الأهمية البالغة لزيارة سمو ولي العهد إلى اسبانيا.. وبينت مدى العلاقة المتميزة بين البلدين، حيث كان الملك خوان كارلوس قبل زيارة سمو ولي العهد إلى اسبانيا بأسبوع في زيارة رسمية للمملكة.. وكما ذكرنا آنفاً فقد كانت زيارة سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز ناجحة ومثمرة على كافة الأصعدة. فقد أكد سمو الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مملكة اسبانيا في مؤتمر صحافي عقده في المركز الإعلامي الذي تمت إقامته في فندق انتركونتننتال على أهمية زيارة سمو ولي العهد وعلى العلاقات الوطيدة التي تربط بين الرياضومدريد ، والدور الاسباني لدى الاتحاد الأوروبي في دعم القضايا العربية. خرق البروتوكول عقب انتهاء مراسيم الاستقبال الرسمية في الصالة الملكية بمطار مدريد حيث كان ولي العهد الاسباني في استقبال صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام وكبار المسؤولين في الحكومة الاسبانية بالإضافة إلى السفراء العرب لدى اسبانيا، وعند وصول موكب سموه إلى قصر الباردو المعد لاقامة سموه وجد الملك خوان كارلوس في استقباله لدى مدخل القصر وذلك في سابقة لم تحصل من قبل وتعد هذه دلالة على قوة العلاقات بين البلدين. خلال زيارة سمو ولي العهد إلى اسبانيا أجرى العديد من اللقاءات مع كبار المسؤولين في الحكومة الاسبانية وعلى رأسهم الملك خوان كارلوس وولي العهد بالإضافة إلى رئيس الحكومة السيد خوسيه لويس ثاباتيرو كما اجتمع سمو ولي العهد برئيس البرلمان الاسباني كما التقى مع وزير الخارجية الاسباني بالإضافة إلى استقباله السفراء العرب المعتمدين لدى اسبانيا. برنامج سموه كان حافلاً باللقاءات والاجتماعات بين الوفد المرافق لسموه ونظرائهم الاسبان حيث اجتمع معالي وزير المالية مع نظيره الاسباني كما اجتمع معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية مع وزير الخارجية الاسباني. وعند مغادرة سمو ولي العهد اسبانيا في ختام زيارته الرسمية قام الملك خوان كارلوس باصطحاب سمو ولي العهد بسيارته الخاصة إلى المطار وكان على رأس مودعيه في المطار في خرق آخر للبروتوكول. لا شك بأن زيارة سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز الرسمية إلى اسبانيا أكدت على عمق العلاقات بين البلدين وستساهم في تعزيز تلك العلاقات في مختلف المجالات والأصعدة .