في عهد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وقعت أكثر من رحلة صادف فيها الصحابة مخلوقات عجيبة يتساءل المرء عن طبيعتها وهويتها وإمكانية وجودها اليوم.. ومن هذه المخلوقات الغريبة قصة جابر بن عبدالله مع دابة البحر الضخمة (التي سبق وكتبت عنها كنموذج لمخلوقات منقرضة أثبتتها الروايات ولم تثبتها الأحافير المكتشفة حتى اليوم).. فحسب ما رواه جابر بنفسه: .. بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ساحل البحر وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش فأشرفنا على البحر فرأينا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة من دواب البحر فأقمنا شهرا من الجوع نأكل منها حتى سمنا وكنا نغترف من الدهن الذي في وقب عينيه بالقلال.. وقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينيه.. فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله فقال: هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم شيء من لحمها فتطعمونا فأرسلنا له فأكله! .. ومنذ أن سمعت بهذه القصة - في سنوات الطفولة - لم أكف عن التفكير في هوية الدابة المعنية وتحت أي الأنواع يمكن تصنيفها.. وسرعان ما افترضت أنها مجرد (حوت أزرق) ألقى به حظه العاثر على شاطئ البحر الأحمر قبل وصول جابر وصحبه بقليل.. واليوم تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ تقريرا صادراً من الأممالمتحدة يفيد باقتراب انقراض الحوت الأزرق بسبب صيده الجائر.. فكثير من الناس يعتقد أن الديناصورات هي أكبر مخلوق عاش على سطح الأرض، ولكن الحقيقة هي أن ما من مخلوق يفوق الحوت الأزرق في الضخامة والوزن - منذ زمن الديناصورات وحتى يومنا الحاضر.. وأقدم قياس موثق لهذا المخلوق يعود الى العقد الأول من القرن العشرين حين أسرت سفن الصيد قرب القارة الجنوبية حوتا يبلغ طوله 40مترا (وهو ما يساوي عمارة بارتفاع 10طوابق) ووزنه 170طناً (وهو ما يعادل وزن 2300إنسان).. وفي المقابل يبلغ طول الدايبلودوكس (أكبر ديناصور عاش على سطح الأرض) 30متراً في حين لا يتجاوز طول التيرانوصورص (أكثرها شهرة وظهورا في الأفلام) التسعة أمتار فقط.. وحين تلد أنثى الحوت (وهو بالمناسبة من الثدييات) يبلغ طول وليدها 7أمتار يتضاعف وزنه - خلال السنة الأولى - بأكثر من 90كيلوجراما في اليوم. وحين يصل إلى سن البلواغ يبلغ حجمه حد قدرة فيل ضخم على الدخول بين فكيه.. وبسبب حجمه الهائل - ودورته الدموية الطويلة - ينبض قلبه تسع مرات في الدقيقة في حين يبلغ حجم القلب نفسه حجم (باص صغير).. كل هذه المواصفات الهائلة تجعل من الحوت الأزرق المخلوق الوحيد المرشح للتطابق مع الدابة التي وجدها جابر ابن عبدالله على ساحل البحر.. فالحوت الأزرق هو الوحيد الذي يمكن اغتراف الدهن من وقب عينيه بالقلال - والوحيد الذي يتسع محجر عينه لثلاثة عشر رجلا - والوحيد الذي يبدو من بعيد ك "الكثيب" حين تغطيه رمال الشاطئ... الشيء الوحيد المستغرب (ولكن غير المستبعد) هو دخول الحوت الأزرق الى الشق الجيولوجي المعروف ب "البحر الأحمر"!.