أظهرت دراسة اقتصادية صدرت عن مؤسسة الخليج للاستثمار وتحمل عنوان "النمو خارج نطاق النفط"، أن موظفي كل من المملكة العربية السعودية والإمارات هم الأقل إنتاجية بين نظرائهم الخليجيين، وحذرت من نتائج كارثية على النمو الاقتصادي في المنطقة مستقبلاً إذا استمر الاعتماد على النفط. وأشارت الدراسة إلى "إن مستويات الإنتاجية في اقتصاديات منطقة الخليج العربي تتسم بأنها متواضعة أو متدنية، مقارنة بمناطق أخرى في العالم، كما أن الاعتماد الزائد على النفط والغاز يشكل تهديداً لمستقبل النمو الاقتصادي في المنطقة". وأوضحت الدراسة التي شاركت في إعدادها مؤسسة "كونفرنس بورد" وهي منظمة عالمية مختصة بدراسات الأعمال، وتتخذ من نيويورك مقراً لها، أن معدل الإنتاجية في الساعة الواحدة قد تراجع نسبياً (بمعدل 0.2%) في دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2000و2007، وذلك بعد استثناء قطاع النفط والغاز. وأكدت أن الاعتماد المبالغ فيه على الموارد الطبيعية الناضبة يشكل أساسا واهيا لا يمكن الاعتماد عليه لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، بل سيؤثر سلبا في بقية القطاعات الاقتصادية، مثل قطاعي التصنيع عالي الإنتاجية، والخدمات المالية. ورأت الدراسة أن "دول المنطقة إذا ما أرادت تحقيق ارتفاع في مستويات المعيشة لسكانها على المدى البعيد، فإنه لابد لها من التغلب على المعوقات المؤسسية التي تحول دون الاستخدام الأمثل للموارد بهدف زيادة الإنتاجية، كما أن عليها اتباع سياسات تؤدي إلى التركيز على الكفاءة والمهارة في سوق العمل، وذلك لضمان تزويد هذه السوق بقوة عاملة مؤهلة وفاعلة وطنية أو خارجية. وأضافت أنه "مع أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتعت بنمو اقتصادي مرتفع في السنوات الماضية بمعدل 5.1% سنويا منذ عام 2000، إلا أن ذلك يعود إلى الزيادة في القوة العاملة، خصوصاً المستوردة، ولا يعكس زيادة في الإنتاجية، فقد ارتفع معدل الإنتاج بالساعة، مع احتساب قطاع النفط والغاز، منذ عام 2000بنسبة ضئيلة بلغت 1% سنويا، وهذا أقل بكثير مما حققته الهند (4.9%)، والصين (10.5%)، وحتى الولاياتالمتحدة الأميركية (1.4%)، وأوروبا (1.5%)". ولاحظت الدراسة وجود فروق واسعة في أداء الإنتاجية بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تشهد الدول الخليجية الأصغر والأكثر تنوعا (البحرين 5.1%، وعُمان 4.1%) أداء أفضل من مثيلاتها التي تظهر اعتمادا أكبر على الموارد الطبيعية كالنفط والغاز (الإمارات -0.1%، والسعودية 0.8%، والكويت 1.3%، وقطر 1.8%). وأشارت إلى مواطن الخلل في سوق العمالة، وأيضا انخفاض الكفاءة التشغيلية التي تؤدي إلى تلاشي أية مكاسب يتم تحقيقها جراء التقدم التقني. وعلى الأخص، فإن الافتقار إلى الكوادر البشرية الماهرة في المنطقة يشكل التحدي الأكبر أمام نمو الإنتاجية على المدى البعيد. وقال كبير الاقتصاديين في "كونفرنس بورد"، والمؤلف الرئيس للدراسة بارت فان آرك "إن سجل الإنتاجية المخيب للآمال يطغى على الأداء الاقتصادي الإيجابي الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي. ويكمن الخطر الحقيقي في أن هذه الدول ستغدو عاجزة في المستقبل عن تطوير الخبرات المحلية الضرورية أو استقدام العدد المناسب من الخبرات الخارجية في ضوء الاختلالات الحالية في سوق العمل". وشدد على أن "المنطقة بحاجة إلى معالجة العديد من المسائل في آن معا، وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل بمعزل عن إيرادات النفط والغاز، من خلال إيجاد فرص عمل جديدة ذات إنتاجية جيدة تهدف إلى بناء أساس متين يمكن الاعتماد عليه في تحقيق التوسع الاقتصادي مستقبلا". واعتبر الرئيس التنفيذي لمؤسسة الخليج للاستثمار هشام الرزوقي أن "النفط يمثل مورداً طبيعياً قابلاً للنضوب، كما أن حياة الأمم لا تقاس بعقود من الزمان. لذا، تحاول هذه الدراسة تحديد المعوقات التي من شأن إزالتها أن تتحسن الإنتاجية، وأن تتحقق تنمية مستدامة في المنطقة. كما تبين الدراسة أن الوضع الراهن لا يشكل وضعا يمكن أن يستمر، لأن المنطقة ستواجه أوقاتا عصيبة في سعيها لتحقيق النمو المستدام للأعداد المتزايدة من السكان في المستقبل. وحددت الدراسة سيناريوهات بديلة يطرح كل منها خيارا مختلفا للسياسات الواجب اتباعها، بالإضافة إلى التأثيرات المحتملة لكل سيناريو بحلول عام .2020 وتركز هذه السيناريوهات في مجملها على أن الجمع بين إطار مؤسسي متطور مع سوق عمل أكثر كفاءة من شأنه أن يجعل المنطقة من أسرع الاقتصادات الناشئة نمواً، ويتيح لشعوبها تحقيق تطورات مهمة في مستويات المعيشة. ولكن إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه فإن ذلك سيعني تدهوراً اقتصادياً نسبياً، مقارنة مع بقية مناطق العالم، وركوداً في مستويات المعيشة، مع احتمال زيادة التوترات الاجتماعية في المستقبل.