بعد أن نفدت طاقة الناس مع غياب الشمس، أغمضت السماء عينيها ليعم الظلام ويهدأ الأنام بهدأة الليل فلم تعد تسمع سوى همسات الشفاه، وتراقص الموجات بغنج على مسرح البحر وكأنها تناديني لأشاركها الرقص. اقتربت من البحر واستأذنته بأن تصافح كفي تلك الموجات شكراً لها على هذا العرض المذهل.. صافحتها ولاعبتها بيدي، ورجلي ثم عدت لأجلس على بساط قد تمدد على ضفاف البحر أتأمل روعة المنظر وإبداع الفاطر. وفي تلك الأثناء سمعت صوتاً فابتسمت ظانة بأنني قد دخلت في مرحلة الخيال، وإذ بالصوت يعاودني من جديد لا أدري ما مصدره فتساءلت: من يا ترى؟ فأجابني أنا (رحب) ورحابتي تغمر الأرض... أنا (حبر) اليابسة... و(ربح) الصياد.. وعلى سطحي قامت (حرب) الماء مع الماء فانتصرت الحياة... فانشغلت بالتفكير: من ذا يكون؟ استدرك وقال: إن عرفتني فاطلبي مني ما شئت... دار في فلك عقلي وصفه لنفسه (رحب، حبر، ربح، حرب) فقلت بسعادة غامرة لقد عرفتك وحللت لغزك... أنت البحر... ضحك ضحكة ساحرة وقال: حقاً أنا البحر... قلت له: الآن لي أن أطلب ما أشاء كما وعدتني... قال: لك ذلك. فقلت: يا أيها البحر أريدك ان تحنو على الصياد الذي لا يريد في هذه الدنيا سوى أن يسد جوعه، ويأمن الخطر.... أريدك أن تعانق كل من يقف على ضفافك باكياً وتضمد جراحه، وتحتوي دموعه، وتتبناها كما لو كانت قطرات مطر... أريدك أن تخبر الناس ان الماء اقوى من الصخر... ان الدنيا لا تزال جميلة حتى وإن عصفت الرياح، وأصابك الطوفان، وبدت أمواجك توقع في صفحتك على كل سطر... استأذنهم... أو لا تستأذنهم في أن تغسل جوفهم حتى لا تتعفن قلوبهم وتصادق الحجر... اخبرهم ان لا يأمنوك فلربما أهلكتهم بأمر من الله إن لم يعودوا إلى فطراتهم ويكونوا بشرا... امتدت موجة من موجات البحر وغمرتني بمائها، وهمست في أذني قائلة: لقد فر البحر وبعث معي برسالة لك وهي... (ما أقوى اليابسة وما أصبرها عليكم فلو كنتم في جوفي للفظتكم وأخبرت القمر).