لم يسبق في تاريخ الموضة الفرنسية أن بكت نساء لاينتمين إلى الفئات الموسرة بدموع تنزل كما ينزل الماء من أفواه القرب فنانا فرنسيا متخصصا في الموضة مثلما فعلن عندما بلغهن نبأ رحيل إيف سان لوران بداية شهر يونيو الحالي. فقد أصرت كثيرات منهن على الاتصال بمحطات الإذاعة والتلفزيون الفرنسية للإجهاش بالبكاء والتأكيد بصعوبة أنهن سيعملن على التلذذ بوضع فستان من تلك الفساتين السوداء اللون التي كانت ريشة إيف سان لوران قد خطتها على الورق وصنعت لتقدم في عروض الموضة ثم لتنتقل إلى محلات الملابس العامة. وكان يحلو لإيف سان لوران القول دوما إن الأسود هو لونه المفضل ويضيف قائلا "أحتمي به عندما أضيع". ومن هذا اللون أسهم إيف طوال مشواره مع المقص في تحويله من رمز الحزن والحداد إلى رمز إلى الأناقة والأنوثة والرجولة. وإذا كانت ثمة عبارة قد ترددت كثيرا عند النساء اللائي يبكين اليوم إيف من تلك التي استطاع صنعها بمقصه وريشته فهي عبارة " السموكينغ " وهو البدلة النسائية السوداء اللون التي صاغها في ستينيات القرن الماضي وجعلها سلاحا قويا لدى المرأة أمام الرجال. فعبر هذه البدلة استطاعت النساء فرض أنفسهن على الرجال في الإدارة وفي المراتب القيادية العليا. ولكن إيف تمكن من خلال الطريقة التي صاغ بها هذه البدلة الحيلولة دون تحويل النساء إلى رجال. وهذا لايعني أن مقص إيف كان متخصصا في اللون الأسود فقط. بل إن ألوان البيئة العربية خارج اللون الأسود البيئة قد استمد منها الراحل كثيرا من مواصفات فنه. فقد ولد في مدينة وهران الجزائرية عام 1936.وكان بعد وصوله إلى باريس وهو في سن العشرين كثير التردد على المغرب. ومن ألوان هذين البلدين وأجساد نسائها النحيفة وعلاقتها الطبيعية مع الثياب التقليدية استمد إيف كثيرا من موديلاته. ولم يكتف بتقديمها في حفلات الموضة الاستعراضية. بل إن الرجل نزل من أبراج مصممي الأزياء العاجية إلى المحلات التجارية في كل مكان تقريبا من الأماكن التي ظلت فيها العلاقة حميمة بين الخياطين ومصممي أزياء الموضة. وإذا كان إيف قبل رحيله يعترف بفضل "كريستيان دور" عليه عندما وظفه عنده ولما يزل في العشرين من العمر ،فإنه كان يؤكد أن صديقة " بيار برجيه" ساعده كثيرا على المحافظة على علاقة جيدة بين عالم الموضة من جهة وعالم الخياطة في مفهومها الأصلي من جهة أخرى. وكان يقول إن الخياطة في مفهومها النبيل والأصلي تعني إعداد ثياب لعامة الناس. فبرجيه كان حريصا على أن تنزل تصميمات إيف إلى الأسواق وأن توضع على أجساد الموسرات وغير الموسرات. وبرجيه هو الذي شجع إيف في نهاية ستينيات القرن الماضي على تصميم موديلات كثيرة للرجال. وقد اعتزل إيف عام ألفين واثنين فنه من خلال إجازة مطولة منحها مقصه ولكنه برحيله في بداية الشهر الجاري قرر وضع مقصه نهائيا في الدرج. ولربما وضع مع مقصه عينة مما كان يقول عن علاقته بالموضة. ومنها المقولات التالية "لست خياطا. أنا صانع سعادة." "الموضة تزول والشكل ماض قدما" "الموضة مرض عضال" "أجمل لباس يمكن أن تضعه امرأة هو ذراعا الرجل الذي تحب. أما اللواتي لم يسعفهن الحظ في بلوغ هذه السعادة فأنا هنا لهن".