قد يكون شعوري غريباً لدى البعض أو بالأحرى لن يدركوا معناه تماماً كما لو شعروا به..! قد لا يصدقونه أو حتى لن يقتنعوا به.. لا يهم.. الأهم هو ما منحني هذا الشعور.. الأهم هو ما دفعني لكتابة هذه الكلمات.. هذه المشاعر لست أكتبها أعزي بها نفسي أو غيري ممن يحملون نفس ما أحمل.. بل هي حقيقة تستحق الوقوف والتأمل للحظات!! أدركت ذات يوم وأنا ذات السبعة عشر ربيعاً أن شيئاً جديداً حدث لي.. من غير سابق إنذار اخترق حياتي.. ولم أملك حرية الاختيار لأرفض كونه معي.. شيئاً سيلازمني.. سيعيش معي.. شئت أم أبيت.. سيذكرني بوجوده معي حتى لو تناسيته. أصبحت أحمل مرض السكري النوع الأول أي المعتمد على الأنسولين.. عندها قلت لنفسي: وماذا لو؟؟ هل معنى ذلك نهاية العالم؟؟ بالطبع لا.. إذاً الحياة ستستمر والسكر سيستمر. أخذت على نفسي عهداً بأن لا أجعل هذا الأمر يضعفني أبداً بل سيزيدني قوة.. أردت أن يقال: لقد أصبحت آمل أفضل حالاً بعد إصابتها بالسكري ربما لأني كنت أكره أن أسمع كلمات الشفقة أو أن أرى نظرات العطف لكوني مصابة بالسكري في أعين الناس.. كنت أقول في نفسي عندما اسمع أحداً يقول عني مسكينة لمجرد إصابتي به،، والله أنتم المساكين أيها المرضى النفسيون!! كل ما في الأمر قصور عقولكم عن التفكير الإيجابي!! لم أطلق عليهم هذا الوصف عبثاً ولكني سمعت ما كان يكفي لقول ذلك.. تخيلوا أن البعض قال: كان الله في عونك كيف ستعيشين؟ كيف ستأكلين؟ كيف ستذهبين للمدرسة؟ لا تخبري أحداً فلن تتزوجي؟ وإن تزوجتِ لن تنجبي!! من المؤكد أنه وراثي لديك وإن أنجبت سيحمل أطفالك نفس المرض!! سألت نفسي عندها حقيقة: يا إلهي! هل هو عيب وعار عليَّ؟ هل هو ذنب اقترفته؟ هل أنا من جلبته لنفسي؟ ولماذا يصدر هذا الكلام من أناس ينبغي أن يكونوا على درجة من التعليم والنضج والوعي؟! لم اعتبرها مشكلة ولم أرد اعتبارها كذلك واعتبرتها تحدياً لي مع نفسي، وقررت أن تكون البداية وليست النهاية.. لكن أي بداية؟؟ لا زلت لا أعلم. سألتني إحدى قريباتي يومها عن شعوري لحظة معرفتي بالخبر وهل بكيت أم لا.. فأجبتها: لا الحمد لله لم أبك وما حدث لي قضاء وقدر كتبه الله عليَّ ولا أملك سوى الصبر والاحتساب والتعايش معه بشكل إيجابي قدر المستطاع.. فما كان منها إلا أن ذهلت وقالت: ما شاء الله.. موقفك قوي وشجاع!! هل تعلمين أن فلاناً من الناس وهو الآن في عمر الخمسين وقد أصبح جداً بكى بحرقة عند معرفته بإصابته بالسكري النوع الثاني وحتى الآن لم يتقبل هذه الحقيقة!! أعلم أني كنت صغيرة وقتها لكني حمدت ربي على كل شيء وأهمها نعمة العقل والصبر والرضا عند المصائب!! مرت الأيام بحلوها ومرها ومررت أنا خلالها بتجارب كثيرة منها المؤلم والمفرح وأنا هنا لا أنكر حقيقة أن كونك مصاباً بالسكري لا يصيبك أحياناً بالألم سواء النفسي أو الجسدي.. لك رغم كل ذلك كان هناك شعور جميل طالما أحسست به وهو كوني مختلفة ومميزة عن غيري. نعم مختلفة.. لا أعرف تحديداً لماذا؟ هل هي حلاوة دمي وزيادة سكره عن باقي الناس؟! أم هي حلاوة القدرة على تحويل ما قد يكون مصدر ألم إلى مصدر تميز ونجاح وفخر؟! ها أنا اليوم وبعد مرور عشر سنوات منذ إصابتي بالسكر أرى نفسي بفضل الله ومنته فتاة واثقة، ذكية وطموحة، متعددة المواهب الفنية والأدبية، أكملت تعليمي الجامعي في المجال الذي أحببته وحصلت على منصب إداري مرموق خلال أقل من سنتين بل وتميزت فيه عن باقي زميلاتي في أحد أهم وأكبر المنشآت الحكومية ذات الهدف الإنساني ألا وهو خدمة المرضى!! وأحد أعضاء مجموعة فتيات السكري للدعم النفسي والاجتماعي وأنا في نظر كثير من الناس في مجتمعنا غير الواعي أعتبر مريضة ومصابة بالسكري بينما كثير منهم بتمام الصحة بدنياً ولكنهم في الواقع نكرات وعبء على مجتمعاتهم.. ولا زلت أجد نفسي أحمل نفس الشعور الجميل والذي أصبح يكبر معي بشكل أجمل لدرجة أني لم أعد أميز هل أنا من يرعاه أم هو من يرعاني ويمنحني القوة على الصمود والاستمرار وأعترف بأني أحياناً أحس بأني ممتنة لله لإصابتي بالسكري لأنه منحني هذا الإحساس الرائع وهو أن أكون سعيدة بأن أحمل هذا المرض وأحقق طموحي في نفس الوقت.