أعلن المنظمون الاتحاديون الأمريكيون في ال 29من مايو الماضي أنهم منذ شهر ديسمبر من العام الماضي وهم يجرون التحريات بخصوص أسعار النفط وذلك لمعرفة ما إذا كان هناك تلاعب بأسعاره. وعلى هذا الأساس فإن السوق الآجلة للنفط ومشتقاته قد أصبحت خاضعة للرقابة الحكومية الأمريكية المتمثلة باللجنة المتخصصة بتجارة السلع الآجلة (Commodity Futures Trading Commission)، وذلك بهدف كشف المخالفات وإيجاد الضوابط اللازمة للقضاء على التلاعب بأسعار النفط من قبل المضاربين. ويأتي هذا التطور بعد الشكوى التي تقدمت بها في الشهور الماضية جهات عدة بخصوص أسعار النفط التي أصبح المضاربون يتحكمون فيها أكثر من تحكم المستهلكين الحقيقيين بها. فانخفاض أسعار صرف الدولار من جهة وبيانات وكالة الطاقة الدولية المتشائمة من جهة أخرى قد دفعت ببعض المستثمرين الجشعين للمضاربة على أسعار النفط الأجل وتوظيف رؤوس أموالهم فيه وبقية المعادن الثمينة بدلاً من الدولار الذي كان في السابق الملاذ الأمن للمستثمرين أوقات الأزمات. وعزم اللجنة الاتحادية الأمريكية على حل المشكلة والحد من تأثير عوامل المضاربة على السوق وجعلها أكثر شفافية في كافة المراحل (الشراء، النقل، التخزين والاستهلاك) يمثل سابقة مهمة في توجه الولاياتالمتحدة نحو معالجة هذه المسألة الحساسة. فمكافحة المضاربين من شأنه أن يترك لقوى السوق الفعلية تحديد سعر النفط وذلك على أساس حجم الطلب من قبل المستهلكين الحقيقيين وكمية النفط المعروض للبيع من قبل المنتجين. فالتخلص من المضاربين في السوق من شأنه أن يوفر الوسط المناسب والآلية الصحيحة لحفظ حقوق كل المشاركين في هذه العملية الهامة. فقضية في غاية الحيوية مثل النفط، الذي يشكل عصب الإنتاج العالمي، لا يمكن أن تترك في يد حفنة من المضاربين المغالين للتحكم بأسعاره أو "للعنتريات" واستعراض العضلات من قبل أصحاب النفوذ والمصالح. فالدول المصدرة للنفط وعلى رأسها بلدان الخليج التي تملك أكبر احتياط للنفط في العالم، مثلها مثل المستهلكين الرئيسيين للنفط، يهمها استقرار أسواق النفط وذلك على النحو الذي تمت الإشارة إليه يوم الثلاثاء الماضي في مقال "لا تخلطوا النفط بالسياسة". إن التوجه للحد من المضاربة في الأسواق النفطية ومعالجة الخلل الذي تعاني منه هذه الأسواق من شأنه أن ينزع التوتر الذي نشأ بعد إقرار مجلس الشيوخ قانون معاقبة "الأوبك". فمعاقبة المضاربين بدلاً من المنتجين سوف يلقى بالتأكيد كل الترحيب من كافة الأطراف الرئيسية الفاعلة في السوق أي من قبل المنتجين والمستهلكين للذهب الأسود على حد سواء. فالخلل الذي تعاني منه الأسواق النفطية يحتاج إلى معالجة جذرية. واختيار الولاياتالمتحدة للشفافية في معالجة المسألة أمر يليق بها كبلد متحضر ترسخت فيه جذور المحاسبة والممارسات الديمقراطية. فبهذه الطريقة تضرب، أمريكا باعتبارها القوة العظمى، المثل الأعلى لغيرها في معالجة المشاكل الاقتصادية العالمية المؤثرة والخلافات التجارية الهامة. من ناحية أخرى فإن أسلوب الشفافية والمحاسبة في معالجة ارتفاع أسعار النفط من شأنه المساهمة في حل المشكلة التي أصبحت تشكل خطراً على الاقتصاد العالمي بأقل التكاليف. إذ ليس مصادفة أبداً أن يتراجع يوم الخميس 28مايو الماضي سعر النفط الأمريكي الخام الخفيف الحلو لعقود شهر يوليو إلى 126.62دولاراً للبرميل. أي بمقدار 4دولارات تقريباً. وأول الغيث قطرة كما يقول المثل