إن الأطباء بشر غير معصومين يصيبون ويخطئون والمريض وأقاربه ليسوا على حق دوما فهم كذلك بشر يجري عليهم مايجري على غيرهم فمنهم المكلوم الذي يطالب بحقه ومنهم على الطرف الآخر من يتخذ التداعي والبهتان مطية ليصل لمنافع مادية وشخصية، وقد طلب مني حديثا شرح مفهوم الأخطاء الطبية لزملاء كرام في المهنة. وبسبب مشاركتي في التحقيق في بعض هذه القضايا فقد أحببت أن أعمم الفائدة على الجميع من باب التثقيف الصحي للمرضى وأقربائهم. وسنستعرض بعض المفاهيم الخاطئة ونرد عليها مباشرة: المفهوم الأول: ليس هناك أخطاء طبية في بلدنا ولا يوجد نظام متخصص ولا محامين متخصصين في هذه القضايا. بل بالعكس هناك أكثر من 40.000شكوى طبية (جريدة الرياض 30محرم 1428) وهذا العدد في ازدياد مضطرد سنويا وكذلك عدد المحامين المتخصصين في مثل هذه القضايا ويقابل ذلك ازدياد في عدد شركات التأمين ورسومها على الأخطاء الطبية. وتتناسب عدد الشكاوى طرديا مع عدد الأطباء والسكان في كل دول العالم. المفهوم الثاني: في اغلب القضايا يسعى المدعي (المريض) لمكاسب مادية؟ بلا شك هناك فئة من ضعاف النفوس الذين هم مفاتيح للشر مغاليق للخير يتصيدون أخطاء الناس (ليس في الطب فقط وإنما في جميع مجالات الحياة) ولكنهم والحمد لله نسبتهم قليلة، أما غالبية هؤلاء المدعين فيريدون اعتراف الطبيب المعالج بخطئه (فيما يعتقدون) وتحمله مسؤولية ذلك كاملة وأضف على ذلك أن قليلا من هؤلاء له هدف نبيل جدا وهو ضمان منع تكرار ماحدث معه أن يحدث لغيره في المستقبل. المفهوم الثالث: تنتهي اغلب القضايا في صالح المدعي (المريض)؟ أولا: بل بالعكس تنتهي اغلبها في صالح الفريق الطبي ولكن هناك دوما خسائر غير منظورة ومؤلمة على المدى البعيد لكلا الطرفين وهي أكثر ضررا من الخسارة المادية مثل: الوقت، السمعة المهنية أو الشخصية، تكاليف المحامي، الضغط النفسي من إجراءات المحاكمة وكذلك تذكر الحادثة الرئيسية في كل مكان وكل زمان لا تجعله يهنأ حتى بالجلسة بين أفراد أسرته وهذه الضغوط قد تجعل الطبيب (أو المريض الخاسر للقضية) يصاب بإحباط نفسي دائم وتغير في شخصيته مما يؤدي إلى أن يغير مجال عمله نهائيا أو يهاجر . ثانيا: هناك فكرة شائعة لدينا وهي (أن الطبيب المدان ولجنة التحقيق يتبعان إداريا لنفس الجهة وهذه علة أن اغلب القضايا تنتهي في صالح الفريق الطبي) ونقول انه حتى في قضايا الأخطاء الطبية في الولايا ت المتحدة التي يؤتى فيها بخبراء محايدين تنتهي اغلب القضايا (أيضا) في صالح الفريق الطبي فهي ظاهرة عامة ليست خاصة ببلد أو نظام قضائي دون آخر. المفهوم الرابع: في الغالب يتستر الأطباء على بعضهم البعض؟ أثبتت الإحصاءات أن أغلبية الأطباء الخبراء يدينون زملاءهم وذلك لان الطب كمهنة إنسانية يجب إن يكون مستوى الأداء المهني فيها عالياً جدا ولا تقبل فيها المجاملات (أو على الأقل يفترض) لأنها تتعلق بحياة الناس. المفهوم الخامس: اغلب الأطباء يتعرضون للشكوى خلال فترة حياتهم المهنية؟ 7% أو اقل من الأطباء يتعرضون للشكوى التي تؤدي إلى المحاكمة خلال حياتهم المهنية وكثير ممن ترفع عليهم دعاوى تجد لديه قضايا متعددة سابقة فإذا أخذنا (المتوسط: مجموع الشكاوى مقسوم على عدد الأطباء في بلد ما) فتقريبا مرة واحدة كل عشر سنين لكل طبيب ولكن هذا أيضا يختلف حسب تخصص الطبيب.أما شكاوى "اللمم" فهي أكثر من أن تعد وتحصى. المفهوم السادس: أن هذه الشكاوى الطبية مشكلة حديثة !! تعود أقدم عقوبة موثقة على طبيب بشري في التاريخ الإسلامي إلى عهد الخليفة العباسي المقتدر قبل 11قرنا في بغداد وقد غرم الطبيب الدية ومنع من مزاولة الطب بعد ذلك . المفهوم السابع: أن الشكاوى تحدث للأطباء قليلي العلم والخبرة ؟ بل أثبتت الدراسات أن نسبة من هم فوق المتوسط في العلم والخبرة من الأطباء المدعى عليهم أكثر من منهم دون ذلك. وللحديث صلة *استشاري أمراض القلب