يمكن القول بأن اهتمام الأفراد في مجتمعنا بالنظافة العامة يكاد يكون اهتمامًا ضعيفًا، وهذا أمر ليس مقصورًا على طلاب الجامعة أو طالباتها وإنما يشمل شريحة كبيرة من المجتمع. ومن تتح له فرصة زيارة الحدائق العامة أو المتنزهات أو حتى شوارع المشي داخل المدن سيجد أن رمي الزبائل والعلب من التصرفات التي تبدو وكأنها تصرفات طبيعية لفاعليها. وقد يكون السبب في هذا السلوك راجعاً إلى الثقافة الشخصية للفرد الذي لايعتقد أن نظافة المرافق العامة هي من مسؤولياته، على اعتبار أن هناك حكومة وعمالة نظافة تأخذ أجرًا على تنظيف المكان. وربما يكون السبب أن الشخص لايعرف كيف يكون نظيفًا أو كيف يعيش في مكان نظيف لكونه قد تعوّد على أن يُخدم من أمه أو من الخادمة في المنزل. وعند النظر إلى مدينة كبيرة ونشطة مثل الرياض فإنه يحز في النفس أن يتسخ الجمال ببعثرة النفايات في الطرق والحدائق مما يشوّه المكان ويعطي انطباعًا عن تدنّي مستوى وعي مرتادي المكان. وقد قامت أمانة مدينة الرياض بتحديد غرامة مالية بحدود المائتي ريال لمن يرمي مخلفات في الطريق، ولكن يبقى هذا الرادع نوعًا من السلطة الخارجية التي لاتفيد في تغيير قناعات الشخص حول الاهتمام بجعل المكان نظيفًا للآخرين. وقد نعتقد أن من يقوم بهذا العمل غير الحضاري هو في الغالب إنسان غير متعلم، ولكن في الواقع هذا الأمر ليس دقيقًا. فإذا دخلنا بعض الكليات في الجامعة نشعر بالصدمة من إهمال طلاب الجامعة لنظافة مكانهم، فعلى سبيل المثال، فإن كلية الآداب في جامعة الملك سعود التي تعد من الكليات الرائدة في تقديم المعرفة الإنسانية ودراسة الآداب والفنون الجميلة تعاني من تكدس القمامة بعد استخدام الطلاب للكافتيريا أو المقهى. وقد قام بعض الطلاب بتصوير النفايات المبعثرة في الكلية، وفي قاعات الدراسة والممرات وكان المنظر مقززًا وباعثًا على خيبة الأمل أن يصدر هذا السلوك ممن يفترض فيهم أن يكونوا مثالا في سمو الخلق والأدب والعناية بالجمال. إن هذه الكلية العريقة التي تعنى بدراسة الإنتاج الإنساني بشقيه المعنوي والمادي هي من أهم الكليات في العالم المتحضر، لأنها تركز على الجانب الفلسفي والفكري للإنسان ولسلوكه مربوطًا بالمنجز الحضاري للأمم. ومن المتوقع أن من يدرس فيها يكون على الأقل في مستوى من الوعي الذي يؤهله للشعور بقيمة "المكان" وبأهميته وبارتباط الإنسان به وبتأثيره العميق في النفس والعمل، إضافة إلى موقعه المركزي في الذاكرة البشرية. ولكن الواقع يأتي خلاف ذلك، وهو أمر يبعث على الحسرة، ويثير في الوقت نفسه أسئلة حول الحلول الممكنة لتفادي مثل هذه الأخطاء من خلال الطلاب أنفسهم. لأن الطلاب إذا حلوا المشكلة بأنفسهم سنجد أن مستوى التواطؤ على الخطأ يقل لديهم، وفي المقابل تزداد لديهم القناعة بتحمّل المسؤولية وعدم رمي المشكلة على أطراف مجهولة.