رزحت الولاياتالمتحدة تحت مطرقة الأفكار الثابتة، وهي تلك التصورات التي أصبحت سائدة في الولاياتالمتحدة بعد 9/11على المستويات: الرسمية، الإعلامية، والشعبية حول دور الولاياتالمتحدة في العالم، هوية أعدائها وأصدقائها، وطبيعة العلاقة بين السياسات الداخلية والخارجية. هذه التصورات تفتقر للحد الأدنى من المنطق والعقلانية؛ فالولاياتالمتحدة هي ضحية اعتداء من قبل قوى ظلامية معادية للقيم الأمريكية، وهذا بدوره يبرر القيام بأي عمل عسكري أو قانوني تراه الادارة الأمريكية لمواجهة هذا التهديد. هيمنة هذه التصورات غير المنطقية على الرأي العام الأمريكي أفرز نوعاً من الانقياد للادارة الأمريكية ليس فيما يتعلق بسياساتها الخارجية (الحرب الوقائية)، بل فيما يتعلق بالحريات المدنية للمواطن الأمريكي، فأصبح من المقبول أن يكون هناك معتقلات ومحاكم عسكرية، ووضع قيود على حرية التعبير (مثل منع بث خطابات معادية لأمريكا). كما أن نقد سياسات الادارة الأمريكية ومحاولة فهم التنظيمات المعادية أو نقد العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية تحول إلى مظهر من مظاهر الخيانة الوطنية. والنتيجة هي أن تأييد قرار الرئيس الأمريكي في حربه على العراق أصبح يحظى بشبه إجماع أمريكي يمتد ليشمل حتى اليسار الأمريكي المعروف بخصومته التاريخية مع الحزب الجمهوري. كذلك أحداث 9/11أفرزت بيئة مناسبة لممارسة الانتهازية السياسية فالقوى المحافظة (اليمين المسيحي، المحافظون الجدد) وجدت في تلك الأحداث فرصة لتمرير أوراقها الايديولوجية مثل قانون الخلايا الجذعية، حرق العلم، الحرب على العراق، القانون الوطني، الدعاء في المدارس، رفع القيود التنظيمية عن الشركات الأمريكية وغيرها. مبدأ الوضوح الأخلاقي (Moral Clarity) تحول إلى أداة لتصفية الحسابات مع اليسار الأمريكي، وكل من عارض أو طرح تساؤلات حول دور السياسات الأمريكية الخارجية في جلب العداء لأمريكا منذ روزفلت حتى بيل كلنتون. والأيام القليلة التالية لأحداث 9/11شهدت اقبالاً قوياً على شراء الكتب حول الإسلام، العراق، الدور الأمريكي في المنطقة وهو توجه نقدي تجاه طبيعة السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. إلا أن الادارة الأمريكية بالتحالف مع وسائل الإعلام الأمريكية، نجحت في فترة وجيزة أن تحول الجدل من السياسات الأمريكية الخارجية الخاطئة المؤيدة لإسرائيل إلى الإسلام والعالم الإسلامي، وأصبح التركيز السياسي والإعلامي بتوجيه من الادارة الأمريكية.. لماذا أفرزت تلك المجتمعات وذلك الدين ظاهرة الإرهاب؟!! إذن، أحداث 9/11أفرزت تصورات ثابتة شلت قدرة الفرد الأمريكي على التفكير العقلاني وبالتالي الانقياد للحكومة الأمريكية حتى لو كان الأمر يعني استخدام الأسلحة النووية ضد العراق.