أخطر ما يمر على مسيرة أي أمة من الأمم، هو التلون السياسي، فترى الشخص مفوه اللسان، ذا عبارات إنشائية منمقة، ويتكلم عن مشاعر وآلام الأمة أو الشعب، ولكنه في واقع الأمر لا يملك لأمته إلا أن يحولها من الحالة المتردية، التي فيها بصيص من الأمل، إلى وضع يكون الموت أهون منه. وفي المقابل لا ترى من يواجه هذا التوجه الملون إلا فئة محدودة الفكر والنوايا. لذا فهي لا تقدر أن تدافع عن حتى بعض حقوقها الخاصة. أردت بتلك التوطئة للتعليق على ما يحصل في لبنان، حيث حول صمود الشعب اللبناني ضد الاعتداءات اليهودية، إلى بلاء ونقمة على الكثير من اللبنانيين، بل وحتى الفلسطينيين الموجودين في لبنان. فالتعمير تحت مظلة نصر الله (مع الأسف الكبير) شمل مناطق المنتمين لحزبه فقط. والتسليح والاستعدادا تحول من المناطق المحاذية لإسرائيل إلى سلط على رقاب اللبنانيين تحت شعار مقاومة القوى الصهيونية والامبريالية، لذا أصبح من يعارضهم، ويدافع عن وحدة ودم الشعب اللبناني خائناً بل ومن المدافعين عن المصالح الأمريكية والصهيونية. وحاولت أن أفرق بين اجتياح بيروت من قبل اليهود وبين اجتياحها ممن سموا أنفسهم قوى المعارضة، فوجدت أننا في الحالة الأولى بين عدو مؤقت لديه حسابات محدودة، أما في الحالة الأخيرة فإننا في كابوس يمثله فئة تحمل بطاقة وطنية، ولكن محملة بأجندات طائفية، قادتها مؤتمرين بتوجيهات إيرانية، لا يستطيع أتباعها التعايش مع الآخر، بل إن الدماء وتذكرها هي دندنهم في تخدير أتباعهم. فالدرس المستفاد من اجتياح بيروت أن لا تنخدع الجماهير العربية والإسلامية، بالشعارات البراقة أو الأحزاب الملمعة، تحت مظلة تحرير فلسطين أو محاربة الأمريكان، فالسؤال المطروح: ما قدمه الإيرانيون للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، غير البيانات الملتهبة والخطب الرنانة التي شوهت سمعة النضال الفلسطيني الصادق؟ وهنالك سؤال آخر من الذي مكن الأمريكان من دخول العراق وغيرها، ووقع معهم اتفاقيات علنية وسرية من أجل بقاء طويل الأجل؟ وهنالك فائدة لا بد أن يتذكرها كل من قدم لأمته أي نوع من التضحيات ونحوها، أن لا يفسد أعماله، بتصغير أو احتقار ما يقدمه غيره من مشاريع وطنية، فقد عرف عن اللبنانيين في المهجر حبهم لوطنهم وأمتهم العربية بل وحتى الإسلامية غير المباشر، فهل منا من ينسى البرفسور كلوفيس مقصود وما قام به من دفاع صادق عن القضية الفلسطينية طوال أكثر من خمسين عاماً، وأمثاله كثيرون، ولكن كل يعبر عن وطنيته ومحاربة أعداء أمته، بالطريقة المناسبة. وهنالك جانب لا يمكن أن نتغافل عنه ألا وهو تجنب الولاءات والانتماءات الخارجية غير الوطنية، فإن كان جماعة حزب الله يتهم كل من يعترض تحركاتهم المدسوسة، بأنه ضد المقاومة وعميل صهيوني!! كان ينبغي عليهم أولاً أن يتأكدوا قبل أن تتضح الصورة أمام الشعب اللبناني والأمة العربية بأن ولاءاتهم هي إيرانية الأصل والمنشأ ولا مكان فيها للمزايدات. كما لا بد أن يدرك المواطن العربي أن العداء الإيراني المعلن ضد أمريكا هو من النوع الهوليوودي الذي يراد به ابتزاز وخلخلة أمن المنطقة العربية.