قبل الدخول في موضوع اليوم سأخبركم بقصة طريفة تمتزج فيها السياسة بأكل لحوم البشر.. فقبل فترة طويلة اختفى السفير البريطاني في غينيا في منطقة تسكنها قبائل تمارس هذه العادة المتوحشة.. وحين مر يومان على اختفائه أرسلت بريطانيا خطابا شديد اللهجة يُحمل السلطة الغينية مسؤولية اختفاء السفير.. وحينها ردت الحكومة الغينية برسالة مختصرة جدا (ولكنها منطقية جدا) قالت فيها : سبق أن حذرنا مستر سميث من خطورة الصيد في تلك المنطقة حيث تقطنها قبائل بدائية متوحشة.. ومع هذا؛ سفيرنا في لندن يتمتع بصحة جيدة ويمكنكم أكله إن أردتم! ... وللأمانة؛ لا أعرف إن كانت هذه القصة صحيحة أم مجرد نكتة سياسية؛ غير أنني أعرف قصة حقيقية مماثلة حدثت في مكان مختلف لمواطن بريطاني آخر.. ففي العام الماضي فقط قدم سكان فوجي وثيقة اعتذار لأحفاد المبشر الانجليزي توماس باركر الذي أكله الاهالي عام . 1867.ففي ذلك الوقت وصل باركر الى جزيرة فوجي للتبشير بالديانة المسيحية ورفع الصليب في وجه القرويين وبدأ يحدثهم بلغة غير مفهومة.. وحينها ظنه القرويون مشعوذا أو ساحرا يريد أن يخرجهم من قريتهم الآمنة فهجموا عليه وطرحوه في النار.. ولضمان عدم عودته (كروح شريرة) قرروا تقسيمه الى أجزاء صغيرة وحبسه في بطونهم إلى الأبد. ورغم أن أكل لحوم البشر لم يكن من شيم أهالي فوجي - ورغم أن توماس باركر كان الأوربي الوحيد الذي مات بهذه الطريقة - إلا أن هذه الحادثة بلورت عنهم فكرة سيئة ظهرت في روايات وأفلام كثيرة.. واليوم أتفق الأهالي على الاعتذار (وقول آسف) لتحسين سمعتهم وتشجيع السياح الانجليز على زيارة جزيرتهم الجميلة! ... على أي حال؛ تسرُّع أهالي فوجي - في تناول الرجل - يثبت أن أكل لحوم البشر لا يرتبط بالتوحش والبربرية بقدر ما يظهر كحالة استثنائية أو شعائرية تبرز خلال ظروف ومواقف معينة.. @ ففي شرق الهند مثلا كانت تنتشر عادة أكل الوالدين كي لا يهانا بدفنهما في التراب!! @ ولدى قبائل الدييري الملاوية يؤكل ذوو العاهات لضمان استقرار أرواحهم المتعبة. @ وفي عشائر الميورونا الهندية كانت الأمهات يأكلن أولادهن المتوفين بدافع العطف والحنان.. @ وفي غينيا الجديدة كان الاقرباء يأكلون أحباءهم إكراما لهم من ان يصبحوا طعاما للدود والحشرات! @ وفي أستراليا الوسطى كانت البنت الصغيرة تذبح ليأكل منها أبوها العجوز أو أخوها المريض كي تنتقل الصحة والقوة إليهما. @ وكانت عشائر الأزتك في المكسيك تقوم بذبح 5000قربان بشري كل عام وكان الشعب يحرص على تذوق شيء من بركتها.. @ وجرت العادة لدى بعض القبائل الافريقية على أكل الأعداء بدافع الانتقام والاهانة وليس بدافع الجوع أو التوحش!! @ أما سكان جزر بولونيزيا فكانوا يعتقدون أن أكل أعضاء معينة يورث خصائص متفوقة (فأكل القلب مثلا يورث الشجاعة وأكل العين يورث الحكمة وشرب الدماغ يورث الذكاء...). ومن كل هذا نستنتج أن أكل لحوم البشر يحدث غالبا بدافع عقائدي واستثنائي طارئ - ويصعب استمراره كطبع أو عادة أو أسلوب حياة (... وليس أدل على هذا من أن نسبة كبيرة من جرائم العشاق تنتهي بأكل المحب للمحبوب)!!