جرائم بلا دماء !    «خدعة» العملاء!    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    الخرائط الذهنية    ماذا فعلت القمة الكبرى؟    مبادرات نسائية    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    لماذا فاز ترمب؟    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    NHC تعزز وجهاتها العمرانية ب 23 مركزًا مجتمعياً بقيمة تتجاوز نصف مليار ريال    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    عصابات النسَّابة    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    الذاكرة.. وحاسة الشم    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدلة شرعية لتوسعة عرض المسعى
الصفا والمروة:
نشر في الرياض يوم 24 - 06 - 2011

في إصدار سيرى النور قريباً بعنوان: الصفا والمروة .. أدلة شرعية لتوسعة عرض المسعى للأستاذ الدكتور عبدالملك بن عبدالله بن دهيش يحقق المؤلف الأدلة الشرعية التي تجيز توسعة عرض المسعى خصوصاً وأنه كان قد أعد بحثاً في رمضان 1427ه دعا فيه لتوسعة المسعى وأورد الأدلة الشرعية التي تجيز ذلك.
"اليمامة" حصلت على مسودة هذا البحث القيم والذي تورد بعض فصوله في الصفحات التالية:
جبلا الصفا والمروة عبارة عن أكمة، وسط مكة تحيط بهما بيوت أهل مكة، والتي منها: دار الأرقم، ودار السائب ابن أبي السائب العائذي، ودار الخلد وغيرها، فهما جبلان مشهوران بمكة، ويرجع بدء السعي بينهما إلى زمن إبراهيم عليه السلام، ويقعان شرقي المسجد الحرام، في الجهة المقابلة للحجر الأسود ومقام إبراهيم.
والطريق الذي بين الصفا والمروة هو: المسعى، أو مكان السعي، والمسعى الآن داخل في المسجد الحرام نتيجة التوسعة السعودية التي تمت عام 1375ه، واللفظان اليوم علمان لهذين الجبلين.
ويفصل بين الجبلين 420متراً تقريباً، والمسعى إلى ما قبل التوسعة والعمارة الجديدة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - أيده الله بنصره - عام 1428ه استبدل بممشى كبير، ومبلط بالرخام، ومسقف ذو طابقين يسعى الحجاج فيهما، وارتفاع جبل الصفا يبلغ خمسة عشر متراً، وارتفاع جبل المروة يبلغ ثمانية أمتار.
وقديماً - أي قبل التوسعة السعودية للمسعى عام 1375ه - كان بين الصفا والمروة مسيل فيه سوق عظيمة يباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وغيرها، ولم تكن بمكة سوق منظم سوى هذا السوق الذي كان يقع بالمسعى، مما جعل الساعين يجدون مشقة أثناء السعي لازدحام الناس على حوانيت الباعة.
كما كان المسعى به التواء واضح، فلم يكن على استقامة واحدة، فجاءت التوسعة السعودية فعدلت هذا الالتواء وجعلته على استقامة واحدة.
ثم حدثت التجديدات السعودية، فأصبح المسعى يتكون من طابقين بطول (395متراً)، وعرض ( 20متراً)، وفي وسط المسعى وفي الطابق السفلي يوجد حاجز يقسم المسعى إلى طريقين، أحدهما مخصص للسعي من الصفا إلى المروة، والثاني من المروة إلى الصفا، وفي الوسط ممر ضيق ذو اتجاهين، مخصص لسعي العاجزين وغير القادرين على الهرولة، وذلك بواسطة عربات خصصت لهذا الغرض، وللمسعى ستة عشر باباً في الواجهة الشرقية، وللطابق العلوي مدخلان أحدهما عند الصفا، والآخر عند المروة، ويمكن الوصول لهذا الطابق بواسطة سُلمين من داخل المسجد أحدهما عند باب الصفا، والآخر عند باب السلام.
وفي منتصف عام 1428ه تم هدم بناء المسعى سالف الذكر، واستبدل ببناية جديدة حيث يهدف هذا المشروع إلى تطوير وتوسعة منطقة المسعى من ناحية الساحة الشرقية بزيادة قدرها عشرين متراً ليصبح عرض المسعى الكلي أربعين متراً، وزيادة طابق علوي ثالث للمسعى ليصبح عدد الطوابق الكلي للمسعى أربعة طوابق: طابقان بالإضافة للبدروم، والدور والأرضي، وتوفر التوسعة المقترحة زيادة المساحة الكلية للسعي من (29.400) متراً مربعاً إلى ( 72ألف متر مربع) بعد التوسعة، لتزداد مساحة الدور من (9.800) متر مربع وتصبح ( 18ألف متر مربع)، وتأمين ممرات سعي على مستوى علوي في الدورين الأول والثاني لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة مع توفير مناطق للتجمع عند منطقتي الصفا والمروة، لتصبح بذلك مسطحات البناء الإجمالية لكافة الأدوار بمناطق السعي والخدمات حوالي ( 125ألف متر مربع)؛ حيث بدأت المرحلة الثانية التي ستشمل هدم وإزالة المبنى الحالي للمسعى بكامل ارتفاعه بما فيها الباكية الأولى الملاصقة للمسعى من التوسعة السعودية الأولى، وإعادة إنشاء منطقتي الصفا والمروة مع القباب الجديدة التي سيتم بناؤها على أحدث الطرق المعمارية الإسلامية.
ويتكون مشروع توسعة المسعى من أربعة أدوار بدروم للعربات ودور أرضي ودوران أول وثان، بطول 350متراً وعرض 21متراً، قد أنجز مرحلته الأولى قبل دخول شهر رمضان 1428ه للاستفادة من البدروم والدور الأرضي؛ حيث يخصص البدروم لعربات السعي فقط ليصبح الدور الأرضي للسعي، وقد تم استئناف العمل فيه بعد موسم حج عام 1428ه لإكمال المرحلة الثانية من المشروع؛ إضافة إلى هدم المسعى الحالي لإعادة بنائه من جديد بنفس مستوى الجزء الذي تم بناؤه حالياً.
الزيادة لها حكم المزيد
سئل الإمام النووي رحمه الله عن حكم الصلاة في التوسعة المحدثة بالحرم النبوي الشريف في زمنه فقال مقولته الشهيرة: "الزيادة لها حكم المزيد"، والحرم المكي القديم هو ما حول الكعبة إلى بئر زمزم وما يحاذي ذلك من جوانب البيت، وقد حصلت فيه زيادات وتوسعات مرة بعد مرة، وأدخل المسعى بالحرم، وأصبح جزءاً منه، ويختار كثير من العلماء أن الزيادة لها حكم المزيد في الفضل فتحصل المضاعفة لمن صلى في المسجد القديم كمن صلى في الزيادات وفي السطوح وفي التوسعات الخارجية، والمسعى، وحتى الساحات الخارجية طالما اتصلت الصفوف، وأمكن الاقتداء بالإمام، ولا شك أن أفضل الأماكن في الصفوف الأولى، كما أن كل توسعة جرت للمسعى أو للطواف أو لأي مكان سواء كان مسجداً أو مشعراً من شعائر المسلمين تأخذ حكم المزيد منه؛ حيث إن القاعدة الفقهية تنص على: "إذا ضاق الأمر اتسع".
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة وتمت مناقشتها من قبل مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وقرروا بالأغلبية أن المسعى عند التوسعة لا يأخذ حكم المسجد؛ حيث يجوز فيه المكث والسعي للحائض والجنب.
وأرى خلاف ما تقرر من قبل المجمع الفقهي الموقر، استناداً على القواعد الفقهية التي سبق ذكرها؛ حيث إن التوسعة تأخذ حكم المسجد.
ولقد تعرّض جبلا الصفاوالمروة بمرور الزمن إلى التكسير بسبب الفيضانات، أو بسبب بناء البيوت، والدكاكين والحوانيت على جانبيهما.
من له حق تقدير الضرورة
الضرورة من الأمور الاجتهادية، فمنها ما هو متصل بأمور الجماعة، ومنهاما هو متعلق بخصوصيات الفرد، والذي يهمنا في ذلك المقام، هو ما يتعلق بأمور الجماعة، فإذا كان الأمر متعلقاً بأمور الجماعة والمجتمع، فإن حاكم البلاد هو المسؤول عن ذلك، وهو صاحب السلطة التنفيذية في إقرار ما يستوجب الضرورة، ومعالجته بالكيفية التي يراها.
فقد أمر الخليفة عمر بن الخطاب إيقاف تنفيذ الحد في السارق، لمدة معينة، عندما كان ذلك ضرورياً بسبب المجاعة، وعاد لتنفيذ حدود الله عز وجل عندما انتفى الأمر، وعادت الأمور إلى طبيعتها.
وفي أمر توسعة المسعى اتخذ ولي الأمر قراراً حكيماً، مستنده دفع الضرر والخطر عن المسلمين، وجلب المنفعة والأمان لهم، والقاعدة الفقهية تنص على أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في قضية من قضايا مسائل الخلاف، إذا حكم فيها بأحد أقوال أهل العلم، بما لا يخالف نصاً صريحاً من كتاب الله أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو بما انعقد عليه إجماع الأمة، ولا شك أن التوسعة محققة للمصلحة في خدمة الحجيج والمعتمرين وزوار البيت، وفي الأخذ بها دفع للضرار المحتمل وقوعه عليهم، فجزا الله حكامنا خير الجزاء، فهم دوماً وأبداً يتسمون ببعد النظر والحكمة الثاقبة.
ونحمد الله ونشكر فضله أن منّ على هذه البلاد المقدسة بحكومة رشيدة أخذت على عاتقها منذ تأسيس المملكة على يد المفغور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وأبنائه البررة، الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، رحمهم الله جميعاً، وحالياً الملك عبدالله حفظه الله ورعاه وأيده بنصره، فأولوا الحرمين الشريفين عناية واهتماماً بالغاً على مر العصور، فكانت التوسعات السعودية للحرمين أكبر توسعات على مر التاريخ.
وكانت تلك التوسعة التي شرع فيها في عام 1428ه.
وإني أرى أن هذه التوسعة جائزة، وذلك للأسباب الآتية:
قد أجمع العلماء على ضرورة السعي في المسعى جميعه، والمراد من ذلك ألا يترك أي جزء من المسافة بين الصفا والمروة بغير سعي فيه، فإن ترك جزءاً ولو صغيراً بطل سعيه، حتى لو كان راكباً اشترط أن تضع الدابة حافرها على الجبل، ويجب على الماشي أن يلصق رجله بالجبل بحيث لا يبقى بينهما فرجة عند الشافعي وقال غيره: لا يطلب إلصاق الرجل بجبل الصفا أو جبل المروة؛ إنما المطلوب هو ما يعتبر إتماماً عرفاً.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: "السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين". فيفهم من قول ابن عمر أن تحديد المسعى إنما كان في مبتدئه ومنتهاه، ولم يتعرض لعرضه.
حتى إن فقهاء الحنابلة والشافعية والحنفية لم يتعرضوا لعرض المسعى، كما أسلفت، فكلام أكثر الفقهاء كان على طول المسعى، وليس عرضه، فالواجب هو استيعاب المسافة من جبل الصفا إلى جبل المروة.
وقد يعترض البعض على هذه التوسعة بحجة أنها خرجت عن حدود جبلي الصفا والمروة، والحقيقة أنها لم تخرج عن حدود جبلي الصفا والمروة، فمعلوم علم اليقين لكل متابع ومطالع لحركة المد السكاني، والتطور الحضاري والعمراني لمنطقة الصفا والمروة أن يلحظ أن المسعى الذي يقع شرق الكعبة المشرفة بين جبلي الصفا والمروة أن يلحظ أن الناس على طول الزمان قاموا ببناء دورهم ومنازلهم على جانبيه الشرقي والغربي، وطرفيه الجنوبي والشمالي، فأحالوا سعته وانفساحه ضيقاً، وحرجاً، فاختلط الساعي بين الصفا والمروة بالمتسوق، وبالقاطنين على جوانب المسعى من كل جهاته، حتى هيأ الله عز وجل آل سعود حكام هذه البلاد المباركة عام 1375ه فأزاحوا عن المسعى كل ما أساء إليه، وهيئوا لحجاج بيت الله ومعتمريه أداء مناسكهم بيسروأمان.
وكانت أحداب ومرتفعات جبل الصفا الغربية مما يلي أجياد تمتد ظاهرة للعيان قبل أن تبدأ الهدميات لتوسعة المسعى والمسجد الحرام من ناحيته الجنوبية وغيرها في شهر صفر عام 1375ه في عهد الملك سعود رحمه الله، وكان على أحد أكتافه الممتدة جنوباً المتصلة بجبل أجياد الصغير ثنية يُصعد إليها من أجياد الصغير، ثم تنحدر منها طريقاً. تمر وسط سقيفة مظللة، ومنها تنزل الطريق من فوق هذا الجبل من متعرجة بين البيوت المنتشرة على تلك المنطقة جبل الصفا حتى تصل إلى الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم من غربه.
وقد شاهدت ذلك بنفسي، ويتفق معي أخي الدكتور عويد المطرفي، وذلك بقوله: "كانت البيوت السكنية شابية على جبل الصفا من كل ناحية تفترش قمته وأكتافه، وظهره وسفحه الشمالي والجنوبي ووسطه وما يحيط بموضع ابتداء السعي منه، فغطت معالمه ومنحدراته التي تعلوها في الجبل أصلاد (صخور) جبل أبي قبيس التي استعصى كثير منها على التسهيل لبناء الناس عليها يوم ذاك.
ولما ابتدأت هدميات هذه التوسعة ظهر للعيان جبل الصفا على حقيقته الجغرافية الطبيعية التي خلقه الله عليها يوم خلق السماوات والأرض، وأن امتداد طرفه الغربي الجنوبي المحاذي لسيل البطحاء من جنوبها كان يصل قبل إزالته في التوسعة إلى موضع الباب الشرقي للسلم الكهربائي الصاعد اليوم إلى الدور الثاني من المسجد الحرام من ناحية أجياد، وإلى موضع قصر الضيافة الملاصق للبيوت الملكية من الجهة الجنوبية، الذي موضعه الحالي جزء مرتفع من جبل الصفا".
وقد توصل الدكتور عويد المطرفي إلى استنتاج جيد عن تسمية كل هذه المنطقة في هذا الجبل باسم (جبل الصفا)؛ لأن أهل مكة في إبان أرومتهم العربية في الجاهلية والإسلام هم الذين سموه بهذا الاسم، وتبعهم في ذلك سكانها من بعدهم، معتمداً على تفسيرات اللغويين، وعلماء العربية؛ إذ كان من عادة واضعي اللغة الذين يحتج بكلامهم في بيان المراد بمعاني الألفاظ في تفسير القرآن وغريب الحديث النبوي أن يسموا بعض أجزاء جبل ما، أو واد ما باسم خاص به يميز ما سموه منه عن اسم أصله لوصف قائم بذلك الجزء من الجبل، أو الوادي كما هو الحال في تسميتهم أصل جبل أبي قبيس من ناحيته الغربية، والغربية الجنوبية، وما بينهما من امتداد بالصفا الذي جعله الله عز وجل من شعائره في قوله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله...) الآية..
وقد ورد إطلاق اسم (جبل الصفا) على هذه المنطقة من هذا الجبل عند علماء العربية في مدوناتهم العلمية اللغوية، وقد أوردت تعريفات اللغويين عن الصفا والمروة في مبحث التعريف بالصفا والمروة لغوياً.
كما ذكر أبو إسحاق الحربي في وصفه لمكة يوم أن حج إليها في كتابه (المناسك) بقوله: "وحيال باب القاضي من طرف باب الصفا إلى منعرج الوادي جبل الصفا، ثم الركن، ركن المسجد فيه منارة، وحيالها جبل أبي قبيس، يتعرج خلف الصفا طرف منه، ثم يرجع الحد إلى الرواق الأيسر للداخل من باب أبي شيبة وهو حيال باب البيت".
فعرف جبل أبي قيس الذي يحتضن جبل الصفا من خلفه، والصفا أسفل منه من أول منعرجه من ناحية البطحاء وموقعها الساحة الشرقية للمسعى اليوم إلى منعطفه إلى أجياد الصغير موضع قصر الضيافة اليوم، تغطيه الدور التي كانت تجثم على قاعدته، وعلوه وأسفله إلى موضع السعي من الصفا المعروف اليوم كماسبق أن ذكرت آنفاً وقد أزيل من موقعه بقصد توسعة المسجد الحرام على مرحلتين.
وبهذا أزيل ظاهر جبل الصفا من الوجود، ودخل في ذمة التاريخ في عام 1401ه، بيد أن أصله وقاعدته موجودة تحت أرض الشارع المذكور، وهي ممتدة إلى منعطفه الشمالي الشرقي المواجه لساحة المسعى الشرقية، ومن السهل التثبت من امتداداته تحت الأرض، وقد كان ذلك شاهداً للعيان قبل نسفه، وفصله عن أصله، وإزالة الظاهر على وجه الأرض منه.
ومعلوم لكل من رأى باب الصفا قبل التوسعة السعودي أن باب الصفا الذي عناه أبو إسحاق الحربي كان يخرج منه من المسجد الحرام إلى الوادي مسيل سيل البطحاء، ثم يسار فيه بعد الخروج منه بانعطاف مرتفع نحو الشرق حتى يلاقي الطريق النازل من منحدر الثنية المنكدرة من أعلى الصفا.
ومن ثم يُدخل إلى المرتفع من الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم وبهذا يظهر أن طرف جبل الصفا الغربي الجنوبي كان منقاداً إلى موضع السلم الكهربائي الصاعد إلى الدور الثاني من المسجد الحرام، الذي كان موجوداً حتى بدأت التوسعة الحادثة في عام 1428ه
كما أن قول أبي إسحاق في تحديده لجبل الصفا "إلى منعرج الوادي" ينص صراحة على اتساع هذا الجبل شمالاً إلى منعطفه من واجهته الغربية، إلى منعطفه نحو الشمال المقابل للبطحاء (الساحة الشرقية للمسعى)، ولا ريب أن ما بين طرفه الغربي الجنوبي وطرفه الشمالي عند منعرج الوادي إلى الشرق من ناحية الشمال تشمله التسمية المقصودة بالخطاب في هذه الآية الكريمة، وما شمله الاسم العلم للمسمى صح اعتبار ما يحدث في بعضه من الأعمال والأقوال حادثاً في جميعه وله حكمه ووصفه شرعاً وعرفاً، ويترتب على هذا أن المنطلق (أي الساعي) بنية السعي من أي موضع مما يشمله اسم الصفا لغة وعرفاً يكون دخلاً في عموم المراد بالخطاب بهذه الآية
الكريمة، ساعياً بحق وحقيقة بين الصفا والمروة إذا ما انتهى به سعيه مما ذكرت إلى مسامت له من جبل المروة المقابل له من ناحية الشمال.
كما أن تسمية منطقة جبل المروة في تعريفات اللغويين تدل على أن المروة جبل قائم بذاته وصفاته ممتد الجوانب، واسع الواجهة المقابلة من الشمال لجبل الصفا، وامتداده إلى منعطفه نحو الوادي الموجه من الشمال الشرقي لبطن المسعى.
إن الزيادات الهائلة في أعداد الحجاج والزوار والمعتمرين تضطر ولاة الأمر دوماً إلى اتخاذ ما يرونه مناسباً للتيسير على المسلمين ودرء المشقة عنهم بما لا يخل بمقاصد الشرع، فقد قال الله عز وجل (أوَلم نمكن لهم حرماً ءامناً)، فقول الله سبحانه وتعالى يشير إلى أمن الطائف والساعي، والعاكف، وكل مقيم على أرض مكة المكرمة، وكيف يتأتى هذا الأمن والطمأنينة، إلا بقرار حكيم يحد من الدهس والتزاحم والتدافع بين الحجاج والمعتمرين، وهذه التوسعة ستؤمن بإذن الله لهم السلامة، وأداء نسك آمن، وهي في ذات الوقت تقع في حدود البينية الكائنة بين جبلي الصفا والمروة، كما أن التوسعة تشبه اتصال صفوف المصلين خارج المسجد عند امتلاء المسجد بالمصلين، واللجوء للساحات والشوارع المحيطة به، لأداء الصلاة مع الجماعة، وقد جوز الفقهاء ذلك طالما اتصلت الصفوف.
فنجده صلى الله عليه وسلم رفيقاً بأمته مريداً لها التيسير والتخفيف، مرخصاً لصحابته الذين سألوه عن تقديم أو تأخير بعض النسك، بقوله: "افعل ولا حرج" وهي رخصة نحن في أمس الحاجة إليها الآن ولا نغفل ما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم وأباحه ورخص فيه عندما أجاب الصحابة رضوان الله عليهم بهذه الإجابة التي تنم عن تيسير.
وقد استجدت مستجدات، وطرأت أمور تتطلب أن نعيد النظر في مواجهة الأعداد الكبيرة من الحجاج والزوار والمعتمرين، خاصة في ظل زيادة أعداد المسلمين في العالم والتي بلغت ما يقارب من المليار والنصف، مع تطور وسائل المواصلات، مما جعل القادمين للحج والعمرة في ازدياد مضطرد عاماً بعد آخر؛ حتى زاد عددهم عن المليونين؛ بما لا يمكن بحال أن تستوعبه مساحة كل شعيرة، من هنا أصبح لزاماً علينا التفكير في الحلول المناسبة في ضوء مستجدات العصر، وتفعيل آراء الفقهاء المعتبرين المعتمدة أقوالهم، على اختلاف مذاهبهم، دونما تعصب لمذهب أو لرأي بعينه، ما دام ذلك يسهم في بلوغنا الهدف الأسمى وهو أداء نسك صحيح، مع الحفاظ على سلامة الحجاج والزوار والمعتمرين والمصلين، دون خروج عن مقاصد الشرع الشريف.
وإذا كان الفقهاء قد جوزوا الطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة في الدور العلوي، فإني لا أرى بأساً من الزيادة في العرض، إعمالاً للقاعدة الفقهية المنوه عنها سابقاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.