تكتنف العرب والمسلمين - وكل ذي ضمير إنساني حي في العالم - : تكتنف هؤلاء جميعاً ذكرى (جريمة القرن العشرين)، أو ذكرى (الدليل الحاسم على صحة نظرية المؤامرة)، أي النظرية التي تسندها أدلة وقرائن ووقائع مستفيضة، وليس (النظرية الوهمية) التي تغلو في القول بالمؤامرة: ظناً وتخرصاً واستسلاماً لشطحات الوهم والخيال والوسوسة: محض وسوسة. فلئن سأل سائل - اليوم أو غداً أو بعد عقود من الزمن -: ما أضخم وأظلم وأفجر جرائم القرن العشرين؟.. أهي جريمة الاستعمار الذي اجتاح معظم بلدان العالم؟.. قيل: إن هذه جريمة بلا ريب، ولكنها -على الرغم من بشاعتها ومرارتها - قد زالت بزوال الاستعمار؛ حيث بقيت البلدان المستعمرة لأصحابها الحقيقيين.. أم هي جريمة الجنون النازي والفاشي الذي تسبب في المذابح والمحارق وفي اندلاع أكبر وأفظع حرب عرفها التاريخ البشري؟.. قيل - جواباً عن هذا السؤال - : هذه جريمة عظمى بكل المقاييس، بيد أن مسعريها عوقبوا - في هذه الحياة الدينا - عقاباً أليماً من جنس عملهم؛ إذ ضربوا بحرب مضادة طحنتهم طحناً، ومزقتهم كل ممزق. فالغازي انتحر بعد هزيمة ما حقة. والفاشي أعدم بعد هزيمة ماحقة كذلك، ثم عادت الأمور إلى سياقها الطبيعي؛ حيث أعيد ترسيم الحدود التي محاها النازي محواً: طمعاً في التوسع والضم.. أم هي جريمة قصف ناجازاكي وهيروشيما اليابنيتين بالقنابل الذرية الأمريكية.. قيل - جواباً عن هذا السؤال- : هذه جريمة كبرى غير مسبوقة في التاريخ البشري - ، لكن اليابانيين ظلوا موجودين في وطنهم، واستطاعوا أن يخرجوا من تحت الأنقاض والحطام، وأن يستأنفوا حياتهم ونهضتهم. أم هي جريمة (السطو الصهيوني) على فلسطين: باحتلالها ، وتشريد أهلها، والاستيلاء على بيوتهم ومزارعهم ومدارسهم ومصانعم ودكاكينهم إلخ إلخ. لكن سأل سائل -اليوم أو بعد عقود - هذا السؤال، فإن الجواب الموضوعي الواقعي القاطع هو (نعم).. نعم.. نعم.. هذه هي (جريمة القرن العشرين) .. وهذا هو البرهان الذي لاينقض: أولاً: هي جريمة القرن العشرين لأنها ظلم تام: بالمعنى القانوني والسياسي والأخلاقي والإنساني والتاريخي والجغرافي. ثانياً: هي جريمة القرن العشرين لأنها جريمة لا تزال (مفتوحة) ومستمرة وشاخصة؛ حيث إن المجرم لا يزال متلبساً بها، ولا يبرح يزيد حجمها، ويوسع جورها ورقعتها ب (المستوطنات)، وبالإصرار على البقاء فيما احتله عام 7691م. ثالثاً: هي جريمة القرن العشرين لأنها لا تزال - حتى الآن - تشخص الاحتلال والظلم والقهر والإذلال والتشريد والحصار والتجويع والقتل والاغتيال تشخيصاً مؤيداً بعشرات الأدلة القانونية والموضوعية. نعم.. هذه هي جريمة القرن العشرين. أما المجرم فهو (الحركة الصهيونية التي تجسدت من بعد في دولة إسرائيل). وأما ضحايا الجريمة فهم (الشعب الفلسطيني) الذي لايزال مشرداً بالملايين: هنا، وهناك، وهنالك. وعند هذه النقطة: ننعطف بالسياق إلى محورين: 1- محور (التواطؤ الدولي) على هذه الجريمة.. على الرغم من اختيارنا الفكري والسياسي والمنهجي هو (التفسير الموضوعي للتاريخ والأحداث والوقائع والمواقف) فإننا لا نستطيع أن نغمض العينين عن (يد التآمر) في جريمة القرن العشرين هذه؛ ولا سيما أن ثمة وقائع عديدة تثبت هذا التآمر وتكشف تلك اليد الخبيثة.. من هذه الوقائع: أ - عام 7191م أصدر اللورد الإنجليزي الاستعماري (بلفور) وعداً ليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين (!!!). ب - تقول حقائق التاريخ السياسي: في عام 6191م (أي العام الذي سبق وعد بلفور)، أُبرم اتفاق بين وزارة الحرب البريطانية وبين المنظمة الصهيونية العالمية.. خلاصة الاتفاق : أن تدفع المنظمة الصهيونية الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى الحرب العالمية الأولى كحليف ونصير قوي لبريطانيا ضد ألمانيا.. مقابل أن (تهب) بريطانيا أرض فلسطين لليهود عبر ذلك الوعد الظلوم!!... وهذا ما تحقق بالفعل. ج - في مؤتمريالطا عام 5491م (الذي ضم ستالين ورزفلت وتشرشل) قال الأخير: "أعلن أنني صهيوني، أؤمن بحق اليهود في أن تكون لهم دولة يهودية"، وبعد ثلاثة أعوام من هذا القول: قامت دولة إسرائيل". د - يقول جواهر لآل نهرو- في كتابه: لمحات من التاريخ: - "وعندما غزت الجيوش البريطانية فلسطين في الحرب العالمية الأولى ودخلت القدس، أعلنت الحكومة البريطانية وعد بلفور، وقد نص هذا الوعد على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وقد قصدت الحكومة البريطانية بهذا الوعد كسب صداقة اليهود العالمية). 2- المحور الثاني هو (ابتذال واغتيال شعار حقوق الإنسان). فالمنافقون الدوليون - أي قادة الغرب وساسته - الذين ملأوا الأرض صراخاً ب(حقوق الإنسان) - ولا يزالون يملأونها - هم أنفسهم الذين ذبحوا حقوق الإنسان الفلسطيني : "ذبحاً حقيقياً متعمداً ومستمراً، فهو ذبح عملي تمثل في الوعد الفاجر إياه ثم تمثل في الدعم السياسي والمالي والعسكري والفكري والثقافي الغربي للكيان الصهيوني. وها هم اليوم (قادة الغرب) يحتفلون بجريمة القرن العشرين، أي بذبح حقوق الإنسان الفلسطيني: في الحياة داخل وطن، وفي الكرامة والحرية والاستقلال والسيادة. "ويل للمرائين الذين يستفتون في بلع إبرة وهم يبلعون الجمل" كما قال سيدنا المسيح عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم.