كثر الكلام أثناء وبعد محرقة غزة عن السياسة الإسرائيلية، وعن التوقّعات عن مَن سيكسب الانتخابات من الأحزاب التي تتعاقب على حكم الدولة العبرية. والتحاليل التي توردها بعض القنوات العربية تعطي الانطباع وكأنها تتعاطى مع انتخابات بلد متحضّر، تحكمه عدالة القانون، وحقوق الإنسان، وملتزم بالقوانين الدولية، ويتعامل مع كل المواطنين الذين يعيشون على بقعة الأرض التي يتحكم فيها على قدم المساواة، بدون أي نوع من أنواع التمييز العنصري . ولكن الواقع خلاف ذلك. فهذه عصابة من اللصوص اغتصبوا الأرض بقوة إجرامهم، وبتشجيع ودعم من الدول الغربية، أولها بريطانيا العظمى التي مهّدت لهم الطريق، ومنحتهم وثيقة وعد بلفور الشهيرة أثناء الانتداب على أرض فلسطين، وبعد انسحاب بريطانيا من فلسطين، سلّمت المهمة للولايات المتحدةالأمريكية الراعي الأكبر لدولة بني صهيون الإرهابية. والشيء المؤلم في تاريخ الصراع على أرض فلسطين أن العرب -فلسطينيين وغير فلسطينيين- مصرّون على التعامل مع سراب الصلح مع عصابة الإجرام التي لا تعرف إلاَّ سياسة القهر والسلب والتشريد. ولها أطماع ونوايا بعيدة المدى، وهي رأس حربة لتنفيذ مخططات بعيدة المدى في المنطقة ككل. وبالرغم من مرور أكثر من قرن من الزمن والعرب يتعاملون مع الانهزامات والنكبات، إلاَّ أن الدرس لم يستوعب بعد. ومازال إعلامنا ومثقفونا يتحدثون عن اليمين، والوسط، واليسار الإسرائيلي، وكأنّهم يتعاملون مع بريطانيا أو غيرها من الدول الديمقراطية حقًا.. إمّا جهلاً بكل ما جرى، أو تناسيًا لكل المآسي والجرائم التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني خلال ستين عامًا مضت. ولهذا فإن من الواجب التذكير بأن العصابة المارقة، هي العصابة نفسها، فلا فرق بين أيٍّ منهم (بن جوريون، جولدا مائير ، بيجن ، شامير ، شارون ، شمعون بيريز ، نتنياهو ، أولمرت، باراك، ليبرمان، ليفني.... الخ) كلهم عصابة إجرام.. نازية فاشية.. تقتل الفلسطينيين، وتنهب أراضيهم، وتقتلع أشجارهم، وتدمر مساجدهم، وجامعاتهم، وبيوتهم، وتمنعهم من الصلاة في المسجد الأقصى بشكل منظّم. ولا خلاف بينهم إلاَّ في التنافس على مَن يقدر على إلحاق أكبر ضرر بالفلسطينيين؛ لكي يقضي عليهم ويضطرهم إلى الرحيل من فلسطين. هذه حقائق الواقع الصهيوني.. ونتائج الانتخابات تؤكد ذلك.. فلماذا لا يركز الإعلام العربي على تسليط الضوء على جرائم العدو، ويترك الاجتهادات التحليلية البائسة، عن مَن سيفوز، وعن حظوظ هذا وذاك في الفوز، وكم عدد المقاعد، وشكل الحكومة، ونوعية التحالف. إن مضيعة الوقت والمال، في محاولات التمنّي لتغيير السياسة الصهيونية، هو بحق مصيدة ملهاة عبثية، وقع فيها العرب ساسة، وإعلامًا، ومثقفين. وهذا ما يجعل المآسي العربية على أرض فلسطين أكبر إيلامًا، وأعمق جراحًا، وأشمل حزنًا.. مستوطنات، وجدار فصل عنصري، ومدينة سياحية بُنيت تحت المسجد الأقصى، وأخيرًا محرقة غزة. إن الذي لا يستوعب الدرس مرارًا وتكرارًا فلا ينفعه أن يموت عدة مرات على يد الجلّاد وهو يسأله: كيف سيذبحه؟ وبأي الأسلحة سيقضي عليه. وقد ثبت من التجارب السابقة على مر العصور، أن الطريق الأمثل للتعامل مع المحتل والمستعمر هي المقاومة. وطالما أن الدول العربية وصلت إلى قناعات بأن الحرب النظامية مستبعدة. فلماذا لا تدع المقاومة تمضي بشتّى الوسائل؟ مثلما حصل في الجزائر، وفيتنام، وجنوب إفريقيا العنصرية.. حتى يتحقق لهم التحرر؟ ولماذا يقف البعض حجر عثرة أمام الفلسطينيين لتحرير أرضهم، ونيل استقلالهم؟ والمجتمعات والأمم على مر العصور مارست حق النضال وانتصرت، وشعب فلسطين من حقه أن يناضل من أجل حقوقه بكل الوسائل المتاحة له حتى ينتصر .. وسينتصر بإذن الله تعالى.. ولو طال الزمن . *********************************** * كاتب بصحيفة "المدينة" السعودية0