يقوم الرئيس جورج دبليو بوش حالياً بثاني زيارة له إلى المملكة العربية السعودية هذا العام، وهو ما اعتبره المراقبون السياسيون دليلاً على قوة العلاقة الثنائية بين الرياض، وواشنطن، كما يرونها مؤشراً إلى الأهمية التي تصبغها واشنطن على دور المملكة ومكانتها لا في الشرق الأوسط فحسب، بل وفي العالم الإسلامي. وتأتي زيارة بوش الثانية هذه إلى المملكة للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس أول علاقات رسمية بين المملكة والولاياتالمتحدة، وذلك بتوقيع اتفاقية التنقيب عن النفط بين المملكة والولاياتالمتحدة قبل 75عاماً. كما تأتي هذه الزيارة في وقت تعصف بالمنطقة العديد من الأزمات في مقدمها الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والوضع المتدهور في العراق والتوتر الذي يسود العلاقات الغربية مع إيران، فضلاً عن الوضع الذي انفجر أخيراً في لبنان. كما تأتي في وقت تسجل فيه أسعار النفط ارقاماً قياسية يومياً تقريباً، وهي كلها قضايا لا بد أن تكون مدار بحث بين القيادة السعودية والضيوف الأمريكيين. لكن الأهم هو أن الرئيس بوش، كما قال مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ريتشارد ميرفي هو أن "العلاقات بيننا وبين المملكة تظل من أكثر العلاقات أساسية لنا في المنطقة. وأعتقد أن الطرفين سيحافظان على هذه العلاقة وسيوظفان سياساتهما لهذا الغرض والعمل بصورة تعاونية لحلحلة الأزمات القائمة في المنطقة، وذلك من خلال الحوار البناء والمركز. وأعتقد أن هذا هو ما يجري الآن بين الطرفين". ولعل كلمات مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق تلخص أجواء العلاقة السعودية الأميركية التي جاء الرئيس الأمريكي ثانية ليؤكد على مركزيتها في سياسات بلاده في الشرق الأوسط. ميرفي: المبادرة السعودية الأشمل والأقدر ويقول ريتشار ميرفي: أعتقد أنه حينما يجتمع الرئيس بوش إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله فإنه سيكون لديه موضوعان رئيسيان يتصدران جدول الأعمال، وإلى جانب ملف العلاقات الثنائية بين البلدين على مر السنين. الموضوع الأول هو عملية السلام في الشرق الأوسط، فالرئيس سيكون قد قدم مباشرة إلى المملكة من (إسرائيل)، وأعتقد أن الملك سيكون مهتماً بسماع ما لدى الرئيس الأمريكي ليقوله له بشأن ما قد يساعد على تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي. وأملي هو أن يخصصا وقتاً كافياً لمناقشة إحياء مبادرة الملك عبدالله، التي أصبحت لاحقاً المبادرة العربية بعد أن تبنتها القمة العربية في بيروت قبل ست سنوات. والواضح أنه لم يحدث هناك أي تطور إيجابي على صعيد السلام الفلسطيني - الإسرائيلي منذ تلك الفترة وهو ما يمثل مصدر انزعاج للمملكة بسبب عدم تبني الولاياتالمتحدة للمبادرة العربية أو دعمها بقوة للمضي قدما إلى الأمام في صنع السلام العربي - الإسرائيلي. إن من الأكيد أن تنفيذ المبادرة سكيون يدور في خلد الملك عبدالله حين يلتقي بوش خصوصاً وأنها المبادرة الأشمل والأكثر قدرة على تحريك عملية السلام العربية - الإسرائيلية برمتها. الموضوع الآخر بالطبع سيكون النفط، فالوضع العالمي أصبح صعباً للغاية من الناحية الاقتصادية في ضوء ارتفاع أسعار النفط الكبيرة والمذهلة في الأشهر القليلة الماضية. والأهم أن الأيام الأسوأ ربما لا تزال قادمة على هذا الصعيد، وهو ما سيلقي بظلاله القاتمة لا على العالم الصناعي فحسب، بل وعلى دول العالم الثالث الأكثر فقراً بسبب الارتفاع المذهل لأسعار النفط. وعلنيا أن نتذكر أيضاً أن أسعار الطاقة لا تؤثر في قيادة السيارات وتوليد الكهرباء فقط، بل هي تؤثر تقريباً في كل شيء من السوق الزراعية إلى أسعار الأغذية وكل ما يتعدى ذلك ليس هناك حل سهل لهذه المشكلة الخطيرة، ونحن الأمريكيين ظللنا نقول على مدى سنوات إن السوق هي التي تحدد الأسعار، وليست الشركات النفطية أو الحكومات أو البلدان المنتجة للنفط. حسناً، هذا ما يحدث الآن، ولا بد من عمل شيء. لا بد أن يكون هناك حوار حول هذه المسألة بين الرئيس بوش وخادم الحرمين. وأكرر القول إن الجانب الأميركي يدرك أن ليس هناك من حل بسيط لهذه المشكلة، ولكنه متأثر جداً بما يحدث لاقتصاده وما يحدث على الساحة الدولية بصورة عامة. لكن، بالنسبة للعلاقات السعودية - الأمريكية في المستقبل، فاعتقد أن هذه العلاقات ستظل بهذه القوة، وذلك بسبب حاجة الطرفين أحدهما إلى الآخر. وواشنطن مدركة أن الوضع في الشرق الأوسط ككل غير مطمئن، بل هو مثير للقلق - انظر إلى فلسطين والعراق وإيران، وأخيراً الوضع المتفجر في لبنان. والأكيد أن الرئيس بوش سيثير هذه المسائل مع الملك عبدالله أيضاً. ويجب التأكيد على أنه بالرغم من كل هذا فإن العلاقات بيننا وبين المملكة تظل من أكثر العلاقات أساسية لنا في المنطقة. وأعتقد أن الطرفين سيحافظان على هذه العلاقة وتوظيف سياساتهما لهذا الغرض والعمل بصورة تعاونية لحلحلة الأزمات القائمة في المنطقة وذلك من خلال الحوار البناء والمركَّز. وأعتقد أن هذا هو ما يجري الآن بين الطرفين. زغبي يدعو لحوار شعبي سعودي - أميركي ويقول الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي أن العلاقة السعودية - الأمريكية كانت وستظل قوية مع أن هناك مشاكل على مستويين: الأول هو الضغط الذي ولدته السياسة الأمريكية على العلاقة الثنائية مع المملكة، والثاني هو الضغط الذي ولدته التعميمات السلبية ضد المملكة التي تم توليدها في هذا السياق الأميركي مؤخراً. وفي حين أن القيادتين السعودية والأميركية لازالتا ملتزمتين بعلاقة قوية بين البلدين، فإن هناك ضغوطاً لدى الرأي العام تعمل على تشديد التجاذب الحاصل في العلاقة الثنائية. فهناك من جهة السعوديون الذين يشعرون بالإحباط إزاء السياسة الأميركية وهناك من جهة أخرى بعض الأميركيين الذين يتعرضون لموجة متواصلة من التعميمات السلبية عن المملكة، بما في ذلك المعلومات الخاطئة التي تنشر عن علاقة المملكة بالإرهاب وعدم مساعدتها في خفض أسعار النفط، وصولاً إلى المعلومات المضللة عن الإسلام. وقد قلت سابقاً وأقول الآن إن هناك حاجة لإشراك الشعبين السعودي والأميركي في حوارات وبناء علاقات شعبية بين الطرفين للمساعدة في محو هذه التعميمات وتعديل الصورة. لا تستطيع هذه العلاقة أن تنمو وتزدهر إلا ذا شارك فيها الشعبان السعودي والأمريكي، والحقيقة أن القليل قد تم عمله في هذا الإطار. يجب أن تقوم وفود سعودية بزيارة الولاياتالمتحدة من مختلف ميادين الحياة وزيارة كل المدن الأميركية، ليس فقط نيويوركوواشنطن، ويجب على هؤلاء أن يتحدثوا مع الأميركيين - مع الشعب والطلبة ووسائل الإعلام ورجال الأعمال - ويجب أن تكون هذه الزيارات عبارة عن حملة متواصلة مستمرة. لقد كتبنا عن هذا وأعددنا خططاً عن هذا ولكن لم يحدث شيء. يجب أن يقوم الطلبة ورجال الأعمال والنساء من السعوديين والسعوديات والكثير غيرهم بزيارة الولاياتالمتحدة بصورة مستمرة وعقد حوارات مع الأميركيين من أجل أن نبدأ بإعادة العلاقة إلى مسارها الطبيعي على الصعيد الشعبي بين البلدين. يجب أن نقيم علاقات شخصية بين السعوديين والأميركيين ويجب أن يقوم هؤلاء السعوديون بزيارة مدن عدا المدن الرئيسية وأن تحظى أنشطتهم بتغطية وسائل الإعلام الأميركية على الصعيد المحلي من أجل أن تصل الرسالة إلى الأميركيين العاديين وليس إلى النخبة فقط. هذا ما تفعله الدول الأخرى هنا. إن ما تكشف عنه استطلاعات الرأي التي نجريها هنا هو أنه حين يلتقي الأميركيون بالسعوديين هنا أو هناك فإنهم يستمتعون بلقائهم ويعجبون بهم، ولكن حين لا يرونهم ولا يسمعون منهم، فإنهم لا يعرفون عنهم سوى ما يرونه في وسائل الإعلام، وهو ما يكون في العادة سلبياً ويخدم أجندات جماعات أخرى. وإضافة إلى هذا يجب دعوة الأميركيين على الأقل من النخبة الأميركية - من كُتَّاب الرأي والمحللين وخبراء مراكز الأبحاث والصحفيين، لزيارة المملكة والاطلاع من أهلها على حقيقة المملكة وما تمثله وما تقوم به. يجب أن يفهم هذه التغييرات التي تحصل في المملكة لكي يأتي هؤلاء إلى هنا للتحدث عن مشاهداتهم. ليمبان: زيارة خادم الحرمين إلى كروفورد أذابت الجليد أما توماس ليمبان الكاتب والباحث الأميركي فيقول: أولاً علينا أن نتذكر ان الفضل للكثير من العلاقة في العشر سنوات الأولى من العلاقة الأميركية مع المملكة الفتية في النصف الأول من القرن العشرين يعود إلى شركة أرامكو.. غير أنه تنبغي الملاحظة أنه بحلول منتصف فترة الحرب العالمية الثانية، أي حوالي العام 1943، بدأ الجميع في واشنطن يفكرون في الأهمية الاستراتيجية الطويلة الأمد للمملكة العربية السعودية. والجدير بالذكر انه حتى الآن، أي بعد 75سنة من بدء العلاقة السعودية/ الأميركية رسمياً، فإن جميع المسؤولين هنا في واشنطن يفهمون ويقدرون جيداً الأهمية الاستراتيجية الطويلة الأمد للمملكة العربية السعودية. وما تعنيه هذه المناسبة اليوم هو أنه في حين أن الأميركيين قد يختلفون مع السعوديين على تفاصيل هذه المشكلة أو تلك، ولكن البلدين يظلان حليفين وشريكين استراتيجيين كما كان على مدى السنوات ال 75الماضية.. وهذه هي أهمية هذه المناسبة. الحقيقة أن أحداث 11سبتمبر كان لها تأثير على العلاقة السعودية/ الأميركية.. علينا أن نتذكر أنه في السنتين اللتين تلتا 11سبتمبر كان هناك قدر كبير من الغضب بل وحتى الكراهية السافرة في الولاياتالمتحدة للمملكة العربية السعودية، وان كثيرين هنا يلومون المملكة والنظام المتبع في المملكة على ما حدث في سبتمبر .2001.وأعتقد أن هذا لم يبدأ في التغير إلا بعد زيارة ولي العهد آنذاك، خادم الحرمين الشريفين الآن، الملك عبدالله للرئيس بوش في كروفورد بولاية تكساس.. تلك الزيارة بدأت بتغيير الأمور إلى الأحسن على الصعيد الرسمي، مع أن الواقع أن العلاقات الرسمية لم تتأثر كثيراً ولا العلاقات بين شركات النفط أو الشركات الدفاعية والمملكة، ولكن العلاقة كانت قد تعرضت لخضة كبيرة على الصعيد الشعبي. وعلي أن أقول لك ان الكثير من الناس هنا حققوا الكثير من الربح المادي نتيجة كتابتهم، السلبية والسيئة عن المملكة. وشيء آخر عليّ أن أقوله وهو ان المملكة أصبحت دولة ناضجة، ولم تعد تحتاج إلى الولاياتالمتحدة كما كان الحال سابقاً.. فالمملكة لم تعد تحتاج الأميركيين لتشغيل طائراتهم أو منابع نفطهم أو بناء مدنهم ومستشفياتهم. هم يقومون بذلك وحدهم الآن.. وتلك الأيام ولت من دون رجعة.. إن هناك علاقة الآن بين دولتين ناضجتين، وليست العلاقة هي بين دولة ناشئة ودولة ناضجة، كما كان الحال قبل خمسين أو ستين أو سبعين سنة.