؟ "تحت القشرة.. دراسات في الثقافة والموروث" مؤلف للدكتور فالح شبيب العجمي الزميل والأستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها، في جامعة الملك سعود، صادر عن مؤسسة الانتشار العربي بيروت 2008، ويقع الكتاب في مئتين واثنتين وثلاثين صفحة من الحجم المتوسط. يبدأ الكتاب بمقدمة طويلة، وهي - حتى وإن جاءت كمدخل لفصول الكتاب - إلا أنها ليست كمعظم المقدمات التقليدية، لأنها في رأيي تشكل فصلاً إضافياً من حيث كونها تعيد طرح قضايا الكتاب ومحتويات فصوله بأسلوب يمد المعالجة الأساسية بأبعاد إضافية، ويوسع من مساحة التحليل للكثير من القضايا المطروحة للنقاش في هذا المؤلف. ويسلط المزيد من الضوء على الكثير من نقاط البحث الذي يعرض - ربما لأول مرة في مؤلف سعودي - وبهذه الجرأة والتمكن المعرفي لقضايا مهمة، وبالغة الدقة والحساسية، ما يتطلب معها هذا الحرص الشديد الذي أظهره الدكتور العجمي بحيث يتسم طرحه لهذه الموضوعات بالشمولية والاستقصاء والعمق، والوقوف المتأني عند الكثير من المسائل، وإطالة النظر فيها من خلال زواياها المختلفة، مع استحضار الكثير من الأمثلة والشواهد ذات الصلة المباشرة، ولهذا كله فإنه في الوقت الذي يُقرأ فيه هذا الجزء من الكتاب كمقدمة فإنه وللأسباب التي ذكرت يمكن أن يقدم كخاتمة أيضاً، ويبدو أن هذه الفكرة كانت في ذهن المؤلف حيث لم يُلحق كتابه بخاتمة. لقد اشتملت المقدمة على الإشارة إلى مفاهيم وقضايا مثل الحديث عن النظريات والمقولات التي تربط واقع المجتمعات بتاريخها، أو بمحطات محددة مرت بها وتركت أثراً في أبنيتها الثقافية، وما نشأ من تداخل بين الدراسات اللسانية والفلسفية خاصة الفلسفة التحليلية التي تركز على اللغة مما يسمى "الدور اللغوي" وكون اللغة والأسطورة والفن والدين والعلم هي عناصر الثقافة الإنسانية، وهي أجزاء من هذا العالم الرمزي فيه الإنسان ص 11- 12.وتواءم العالم الرمزي مع العالم الوقعي يجري حسب مستويات متعددة، ومنها: اللغة العادية، الرمزية الشعرية، رمزية الأحلام، رمزية المقدس، ص 13.وبعد حديث أكثر تفصيلاً في هذه المستويات، يشير المؤلف إلى كون بعض المستويات المركبة في البنى الرمزية المتعلقة بالوجود تسعى إلى إعادة تركيب الوجود.. فقد عمدت إلى حيل متعددة تتجاوز من خلالها النقد، وتحصل من خلال تحصينها بها على درجة عالية من المقبولية.. واحدى هذه الحصون ما تسميه الثقافات الجامدة "الثوابت" ص 15.ثم يتوقف المؤلف في هذه المقدمة عند مفهوم "الثوابت" ومع أن حياة الأفراد والمجتمع تتسم دائماً بالحركة والتغير المستمرين، إلا أنه عندما تنشأ تيارات متعارضة أو متناقضة، فإن التيار الأقوى أو الذي يملك السلطة تخول له الظروف والمكانة والنفوذ فرصة قناعاته بوصفها "ثوابت"، وسيلجأ - وهذا هو الأسوأ - إلى تعميم تلك الحيلة على القضايا الفرعية التي تحتمل الخلاف، مضيقاً الخناق على بقية الأفكار والاتجاهات الأخرى في المجتمع.. ولم تنشأ ظاهرة التعلق باليقين المطلق إلا في العصور التي يكتب فيها العقل ويُحظر اعماله فيما يواجد المرء من مشكلات وفيما يحتاج إليه مجتمعه من تنظيمات ص 16.وأول فصول الكتاب أو أبوابه - لم يورد المؤلف لتصنيف كتابه (الثوابت نوابت) وجاءت تحته ثلاثة مباحث هي: 1- بعد الثوابت التاريخي 2- حاجة الخطاب الديني إلى الثوابت 3- منزلة الثوابت في سلم القيم، وقد اختص كل بحث بثلاثة موضوعات بعناوين فرعية. ولا الثوابت نوابت "سبق نشره في مجلة "الخطاب الثقافي" العدد الأول (خريف/ شتاء 2006م) كما يشير المؤلف، وقد أضيف للعنوان الأساسي عبارة دراسة نظرية وتطبيقية على خطاب الجماعات الإسلامية المعاصر حيث يتم في هذا الجزء فحص استخدام مصطلح "الثوابت" في خطاب هذه الجماعات وتتبع تاريخ استخدام المصطلحات المقابلة له في العصور الإسلامية. ولا يغيب عن أذهاننا تردد مفردة "الثوابت" في خطابنا المحلي وكونها تستعمل عندما يراد حظر الحديث عن مسألة ما حيث عندما لا تتعارض مع أساس العقيدة كالذين يرفضون قيادة المرأة للسيارة ويحتجون لذلك بمفهوم الثوابت الدينية، ويورد المؤلف أمثلة كثيرة في هذا الشأن، ص 35.وحتى لا تصبح الثوابت سلاح من لا سلاح له من المزايدين والتقليديين يتفق المؤلف مع رأي للكاتبة السعودية ثريا العريض تطالب فيه بغربلة ما هو ثوابت مما هو ممارسات وأعراف حتى تنجلي الصورة، وتعرف الأسس التي صنفت بناءً عليها بعض المبادئ إلى ثوابت وأخرى في خانة المتغيرات، وألا نبقى حبيسي التوجس من تغير المجتمع بحجة سد الذرائع والتعلل بمقولة الثوابت.. (للحديث صلة)