لفت نظري مقال للكاتب د. فايز الشهري بعنوان "هل الشخصية السعودية لغز مستعص"؟ وتساءل هل لدينا علماء نفس للشخصية لدراسة ذلك اللغز المحير الذي يختفي وراء أقنعة فرضتها ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده والتنشئة الاجتماعية وغيرها من محددات يطول شرحها، أم لا؟؟. قبل التعقيب على مقال الكاتب الموقر، لابد أن نتطرق للحديث عن الشخصية باختصار حسب رأي العلماء والفلاسفة قديماً وحديثاً فلفظ "الشخصية" من الألفاظ الدارجة على لسان معظم الناس وكثيراً ما نسمع شخصاً يصف آخر بقوله: فلان ذو شخصية غامضة، أو ضعيفة، وفلانة ذات شخصيات متعددة، إلخ، ولشيوع اللفظ على ألسنة الناس وفي الكتب والصحف اليومية، أصبح هذا اللفظ بسيطاً ومفهوماً لا يحتاج إلى تعريف أو إيضاح، ولكن الأمر يختلف اختلافا كبيراً إذا انتقلنا إلى مجال العلم فإذا سألت شخصاً أن يحدد لك اللفظ تحديداً دقيقاً فإنك تصل إلى تعريفات مختلفة وكثيرة تختلف من شخص للآخر إذ هو غير محدد كما يبدو لمعظم الناس. ففي اللاتينية القديمة كان "لفظ برسونا" بمعنى "القناع" وحده المستخدم ولقد ارتبط هذا اللفظ بالمسرح اليوناني القديم إذ اعتاد ممثلو اليونان في العصور القديمة ارتداء أقنعة على وجوههم لكي يعطوا انطباعاً عن الدور الذي يقومون به وفي الوقت نفسه لكي يجعلوا من الصعب التعرف على الشخصيات التي تقوم بهذا الدور، فالشخصية ينظر إليها من ناحية ما يعطيه قناع الممثل من انطباعات! أو من ناحية كونها غطاء يختفي وراءه الشخص الحقيقي، ويتفق هذا القول مع التعريفات التي تنظر إلى الشخصية من ناحية الأثر الخارجي الذي تحدثه في الآخرين أكثر من التنظيم الداخلي.. ومع مرور الزمن أطلق لفظ "برسونا" على الممثل نفسه أحيانا وعلى الأشخاص أحيانا أخرى، وربما كان ذلك على أساس أن "الدنيا مسرح كبير وأن الناس ليسوا سوى ممثلين على مسرح الحياة، ولعل أقوى المؤثرات في استمرار وبقاء فكرة "القناع" هذه عبر الأجيال القديمة فلسفة أفلاطون والتي تمثل أصدق تمثيل الفلسفة المثالية والتي ما زالت قائمة حتى الآن إذ لا يزال البعض يعتقد أن "الشخصية هي مجرد الواجهة التي يفترض أن يكمن وراءها جوهر ما" أما في العصر الحديث فقد ظهرت حركات كثيرة في ميدان علم النفس مهدت السبل أمام ظهور هذا الفرع الخاص الذي عرف باسم "علم الشخصية" والذي يركز على الفروق الفردية المميزة لهذا الشخص عن ذاك الآخر، فلو كان جميع الناس متشابهين تماماً في كل شيء لما كان ثمة احتمال لظهور مفهوم الشخصية إلى الوجود؟وقد أورد لها علماء النفس العديد من التعريفات تذكر منها: "الشخصية هي مجموع مالدى الفرد من استعدادات ودوافع وغرائز فطرية وبيولوجية واستعدادات مكتسبة" "الشخصية أسلوب التوافق العادي الذي يتخذه الفرد بين دوافعه الذاتية المركزة ومطالب البيئة". وليس ثمة شك ان خبرات الطفولة المبكرة لها تأثير واضح على شخصية الفرد وكذلك الأسرة التي تلعب دوراً جوهرياً في تشكيل شخصية الطفل وكذلك للوراثة والبيئة غيرها من المحددات الثقافية والاجتماعية. وإذا عدنا إلي الحديث عن استفسار الكاتب الموقر عن الشخصية السعودية وأقنعتها؟ أقول ان بعض الشخصيات السعودية فعلاً بمثابة اللغز المحير فهي ترتدي الأقنعة في حياتها اليومية وعبر الثقب الالكتروني ففي المنزل لها قناع وفي العمل قناع ومع الأصدقاء قناع فنحن لا نحب ان يعرف الآخرون عن شخصياتنا الحقيقية شيئاً ونخجل ان تظهر على السطح؟ ويبالغ البعض منا في التمثيل والتلون عند التعامل مع الآخرين فزمن البراءة والوضوح والنقاء والصراحة المحببة ولى واستبدله البعض منا بالخداع والكذب والزور الخ لأننا في حياتنا العادية قد نجد انه من الضروري أحياناً ان نغلف ذواتنا الحقيقة بغلاف خادع ونلبسها قناعاً لتبدو للعالم في مظهر يتفق والجماعة وهذا الوجه قد يبدو غريباً تماماً عن وجداناتنا ومقاصدها الحقيقية فالإنسان يشتق قناعاته من الأدوار التي يقررها له المجتمع. وللأسف الشديد لا يوجد لدينا علماء نفس للشخصية كل الذي أعرفه ان هناك قلة قليلة من المتخصصين في الطب البشري تحولوا للطب النفسي وتخصصوا في فروع محددة فيه ولا نعلم عنهم الا معلومات محدودة في إعلامنا السعودي وتعلونا الدهشة والاستغراب حينما نراهم يطلون علينا من قنوات أخرى؟ بسبب تقصير الإعلام في استضافتهم والتعريف بهم فتلقفتهم القنوات الأخرى بكل حب وتقدير؟وحتى لو تمت دراسة الشخصية السعودية من قبل علماء نفس الشخصية فإني أرثي لحال العلماء من الأسوار والمطبات الصناعية "التي ستواجههم لسبر أغوار بعض الشخصيات فالسعوديون لا يذاع لهم سر" فهم دائماً كتومون متحفظون، متجهمون، حذرون: يمكنهم ان ينجحوا في سبر أغوار المرأة السعودية لأنها تحب هذا النوع من الدراسة فهي تحب الفضفضة والثرثرة ونشر الغسيل اليومي، البعض منهن طبعاً؟؟ وكم كنا نتمنى ان يكون لدينا علماء نفسانيين لدراسة شخصياتنا وتثقيفنا وإزالة الأسخام المترسبة في دواخل ذواتنا المتعبة وإلى ان يأتي ذلك الوقت (ستبقى أقنعتنا تحت وسائدنا) لأن بعضنا بات لا يستطيع العيش من دونها وهذا ليس ذنبنا بل يتحمله المجتمع الذي نعيش فيه والعادات والتقاليد وثقافة الكبت والقمع والتي ولدت لدى البعض من أفراد المجتمع شخصيات مزدوجة إذا عوتب عند انكشافها اكتفى بقوله (اسمحي لي يالغرام ان لزمت الصمت أو حتى لبست الأقنعة). فواصل.. * سقط القناع فغدوت أبشع ما يكون وجه كوجه الحيزبون ونذالة فوق الظنون لم يأمل الشيطان يوماً أن تكون * قال ومضى.. أرجوك لا تضطرني إلى ارتداء (قناع) جديد فقد نسيت ملامح وجهي في زحام الأقنعة؟