طفت على السطح من جديد قضية التجارة الحرة الخليجية الأوروبية، التي دخل التفاوض عليها عقده الثالث دون أن تخرج إلى النور. وأطلقت نداءات في الجانبين تدعو إلى وضع حد نهائي للعقبات التي تعترض الاتفاقية المنشودة، وحيث بدت العراقيل مستجدة على نحو دائم. وفي بيان أصدره في 24نيسان - أبريل الماضي وحاز على تأييد 530نائبا، دعا البرلمان الأوروبي إلى الإسراع في توقيع اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية الخليجية، معرباً عن "قلقه إزاء تأخير العملية التفاوضية بهذا الشأن"، ومقترحاً تطوير وتوسيع العلاقات الاقتصادية من أجل تعزيز الحوار السياسي والاجتماعي، والعمل على تطوير السياسة التنافسية بين الجانبين، وذلك في ضوء انخفاض الاستثمارات الأوروبية في دول الخليج، في الوقت الذي تتزايد فيه استثمارات الخليجيين في أوروبا. وحسب الجانب الخليجي، فإن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي تواجه عوائق يثيرها الأوروبيون من حين إلى آخر، وهي "بعيدة عن مضامين الاتفاقية" التي يجري البحث بشأنها. وفي منتصف نيسان - أبريل الماضي، قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن بن حمد العطية ان "الاتحاد الأوروبي يطرح دوماً مسائل مثل أسلحة الدمار الشامل وقضايا حقوق الإنسان وقضايا أخرى بعيدة كل البُعد عما يجري من حراك سياسي في منظومة مجلس التعاون". المسائل المثارة بين الجانبين وإضافة إلى هذه المسألة الجديدة، أو التي أعيدت صياغتها، فإن المفاوضات حول البنود الأساسية في اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية الخليجية، لا زالت تواجه صعوبات متفاوتة الحدة، إن في القطاع السلعي أو قطاع الخدمات، أو في المنظور الخاص للجداول الزمنية المختلفة. فلا تزال ثمة خلافات متعلقة بتحرير قطاعات الخدمات والاستثمار والمشتريات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي، هذا في حين أصبح الاتحاد الأوروبي مستعداً لإعفاء المنتجات الخليجية غير النفطية، وفي مقدمتها البتروكيماويات والألمنيوم، من الرسوم الجمركية. وقد صنفت السلع التي يتم التفاوض بشأنها بين الجانبين إلى ثلاث قوائم: الأولى، السلع التي يتم تحريرها بالكامل بحيث تصبح الرسوم عليها صفراً منذ بداية توقيع الاتفاقية، مثل الألمنيوم والبتروكيماويات وبعض المنتجات الزراعية والأسماك. والثانية، هي تلك التي تحصل على فترة انتقالية ويتم تحريرها بعد فترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات، مثل بعض المنتجات الصناعية. أما القائمة الثالثة، فتشمل السلع التي يتم استثناؤها من تحرير الرسوم بسبب حساسيتها لدول الخليج، مثل الألبان واللحوم وبعض المشروبات. وقد دار الحديث مؤخراً حول إمكانية تحرير قطاعات الخدمات والاستثمارات والمشتريات الحكومية على فترات زمنية من أجل ضمان مستقبل الشركات الخليجية، خصوصاً الناشئة منها، كونها غير مهيأة لمواجهة المنافسة الأوروبية قبل فترة انتقالية يتم فيها الإعداد لهذه المواجهة. ولعل اللافت هنا هو أن الاتحاد الأوروبي يعارض منح هذه الفترة لدول الخليج، وهو الذي وافق على إعطائها لشركائه الآخرين الذين وقّع معهم على اتفاقات تجارة حرة مماثلة. وقد أوضح الجانب الخليجي في آخر جولة من المفاوضات، التي عقدت هذا العام، عدم استعداده لفتح القطاع العقاري على نحو فوري، وذلك بسبب التفاوت في القوانين المنظمة لهذا القطاع في دول الخليج، الأمر الذي يتطلب المزيد من الوقت لإصدار قوانين جديدة واستكمال بعضها الآخر. كذلك، رفض الخليجيون مجدداً في هذه الجولة طلب الاتحاد الأوروبي إعطاء التزامات تتيح لشركاته حصة في المشتريات الحكومية. وعلى الرغم من ذلك، حقق الجانبان في الجولة الأخيرة تقدماً في مواضيع التجارة الالكترونية والتدابير الوقائية الانتقالية، والمسؤولية المالية عن الأخطاء التي يمكن أن تحدث أثناء التعاملات بين الجانبين، بالإضافة إلى الاتفاق على بعض الأسس الخاصة بقواعد المنشأ. ويرى البعض أن التقدم الذي أنجزته دول مجلس التعاون الخليجي في اتفاقات التجارة الحرة مع عدد من الكتل الاقتصادية الإقليمية، وحتى كيانات دولية منفردة مثل الصين وأستراليا واليابان وسنغافورة، قد يدفع دول الاتحاد الأوروبي إلى تليين موقفها، حتى لا تضيع عليها الفرص لمصلحة القوى الدولية المنافسة. وتجري دول المجلس في الوقت الراهن مفاوضات مع 12جهة، منها اليابان واستراليا ونيوزيلندا والصين وتركيا والهند ودول رابطة الأفتا (دول شمال أوروبا) ودول الميركوسور (المجموعة التجارية في أميركا اللاتينية). مسار تفاوضي طويل وكان أول اجتماع استطلاعي بين دول مجلس التعاون الخليجي والجماعة الأوروبية (التسمية السابقة للاتحاد الأوروبي) قد عقد في البحرين في تشرين الثاني نوفمبر من العام 1984بهدف استشراف الفرص التجارية بين الجانبين. تبعه اجتماع استطلاعي آخر في المكان نفسه في آذار مارس 1985.وفي تشرين الأول أكتوبر من العام ذاته، عقد في لكسمبورج اجتماع وزاري مختصر بين الجانبين، تم الاتفاق فيه على عقد اجتماعات رسمية على مستوى عال لمناقشة المواضيع المطروحة في الاجتماعات الاستطلاعية. كما عقد اجتماع وزاري مختصر آخر في بروكسل في حزيران يونيو من العام 1987.وفي ذلك العام، فوّض المجلس الوزاري للمجموعة الأوروبية المفوضية الأوروبية بالتباحث مع دول المجلس على مرحلتين: الأولى تهدف للوصول إلى اتفاقية إطارية تتضمن مبادئ التعاون بين الجانبين، والثانية تبدأ فور التوقيع على الاتفاقية الأولى، وتختص بالتعاون التجاري. وفي كانون الأول ديسمبر من العام 1987، قررت القمة الخليجية الثامنة الموافقة على الدخول في مفاوضات رسمية مع الجماعة الأوروبية بهدف الوصول إلى اتفاقية مبدئية، تكون بمثابة إطار للتعاون بين الجانبين، وفوّضت القمة المجلس الوزاري التفاوض مع الجماعة الأوروبية والتوقيع النهائي على الاتفاقية المبدئية. وهو ما تم التوصل إليه في صيف العام التالي، وحيث اعتمدتها القمة الخليجية التاسعة في كانون الأول ديسمبر 1988، ودخلت حيز التنفيذ مطلع العام 1990، كما قررت تلك القمة تفويض المجلس الوزاري بإصدار التفويض اللازم للفريق التفاوضي للدخول في المفاوضات الرسمية مع الجماعة الأوروبية، بهدف الوصول إلى اتفاق تجاري بين الطرفين . وقد أصدر المجلس الوزاري في دورته الخامسة والثلاثين (حزيران - يونيو 1990) القرار الخاص بالدخول في مفاوضات تجارية رسمية مع الجماعة الأوروبية، وتفويض الفريق التفاوضي بفتح هذه المفاوضات وفق عدد من التوجهات التي تم اعتمادها. وقد نصت الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول المجلس والاتحاد الأوروبي على تشكيل مجلس مشترك يضم وزراء خارجية الطرفين يجتمع سنوياً بشكل دوري، وقد عقد حتى العام 2007سبعة عشر اجتماعاً، كان أولها في مسقط في 17آذار مارس 1990وآخرها في الرياض في 8أيار - مايو 2007.وبالإضافة إلى ذلك، يعقد الجانبان اجتماعاً سنوياً في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأشارت اتفاقية التعاون بين دول المجلس والاتحاد الأوروبي (1988) في مادتها الحادية عشرة، إلى أنها تهدف إلى تشجيع وتطوير وتنويع المبادلات التجارية بين الطرفين المتعاقدين إلى أكبر مستوى ممكن، وأن الطرفين سيدخلان في مفاوضات للوصول إلى اتفاقية تهدف إلى توسيع التجارة، وإلى أن يتم التوصل إلى ذلك يعامل الطرفان المتعاقدان بعضهما البعض معاملة الدولة الأولى بالرعاية. وجاء الإعلان المشترك بشأن الفقرة الثانية من المادة الحادية عشرة ليوضح أن الهدف من اتفاقية التجارة هو توسيع التبادل وتحسين نفاذ صادرات كل طرف إلى أسواق الطرف الآخر وتحرير تجارتهما الثنائية. مستوى التبادل التجاري وتشير أرقام المبادلات التجارية بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي إلى ارتفاع قيمة هذه المبادلات إلى أكثر من تسعين مليار يورو خلال العام 2006، مقابل 88.464مليار يورو في العام 2005.وتبلغ قيمة صادرات الاتحاد الأوروبي لدول التعاون الخليجي نحو 54مليار يورو، ووارداته منها نحو 37مليار يورو. وحسب توقعات المفوضية الأوروبية، يمكن أن تؤدي اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين إلى مضاعفة حجم المبادلات التجارية خلال فترة قصيرة. وتحتل تجهيزات المنشآت الصناعية، كمحطات الطاقة ومعامل البتروكيماويات، إضافة إلى الطائرات والسيارات، المراكز الأولى على لائحة الصادرات الأوروبية لدول مجلس التعاون. وفي المقابل، يشغل النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية ومنتجات الألمنيوم الجزء الأكبر من مستوردات الاتحاد الأوروبي من هذه الدول. ويرى البعض أن الاتحاد الأوروبي يبقى مهتماً بتوسيع حجم المبادلات التجارية مع دول الخليج لأن ارتفاع أسعار النفط يعني زيادة كبيرة في دخل هذه الدول، ويبشر بالتالي بإنفاق كبير فيها. أما بالنسبة لدول الخليج فإن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الوحيد الذي يحقق ميزان التجارة معه عجزا كبيراً. وتزيل اتفاقية التجارة الحرة المنشودة الحواجز الجمركية، الأمر الذي يتيح للدول الخليجية زيادة صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من مؤشرات التبادل التجاري التي سبق ذكرها، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تعد خامس أكبر سوق بالنسبة للصادرات الأوروبية، بينما تعد دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأهم لدول المجلس، وثاني أكبر مستثمر أجنبي في الخليج بعد الولاياتالمتحدة. وعلى الرغم من ذلك، لا تمثل الاستثمارات الأوروبية في الخليج سوى واحد في المائة فقط من الاستثمارات الأوروبية الدولية المباشرة.