في رحلته عام 1876م يذكر لنا الرحالة الإنجليزي (تشارلز داوتي) أهمية مجالس البادية التي اطلق عليها مجالس الشورى والتي يتم من خلالها جمع المعلومات السياسية والاستخباراتية ومناقشة الأمور العامة للقبيلة والتي يتحدد من خلالها تحركات القبيلة في المستقبل مشيراً إلى انبثاق مجالس القضاء العرفي منها والذي يديره قضاه وإن كانوا لا يحملون أي مؤهلات علمية في الشريعة إلا أنهم يتمتعون بالذكاء الفطري يقومون بحسم القضايا في جلسة واحدة أو جلستين وتعتبر أحكامهم نهائية وملزمة للطرفين دون رجعة أو استئناف وهو وإن لم يصرَّح مباشرة بوجود مجالس (للمحلفين) التي نسمع عنها في البلدان الغربية الآن إلا أنه أشار إلى وجود ما يشبهها بطريقة أو أخرى عندما قال: يتبادل البدو في المجلس الآراء حول الشؤون العامة وسياستهم تجاه القبائل المحيطة بهم. وهنا يدلي كل من سمع شيئاً عن تحركات العدو أو رأى نذر غزو بتقريره. وتجيء الأنباء من وقت لآخر حول موارد مياههم ومياه الغير. والأخبار عن المراعي التي وجدها الرعاة (وكل رجل من القبيلة مهما كان وضعه يسمع صوته هنا) ويخطط المجلس للرحلات المستقبلية لقبيلة واضعين كلهم في بالهم نوعاً من النصيحة نافذة المفعول يسمونها (الشورى) يطلعون عليها حلفاءهم وهي ضرورية لمن يودون الرحلة منهم. هذا هو مجلس كبار السن، والمحكمة العامة التي يرفع إليها رجال القبيلة شكاواهم دائماً ويترافع أمامها المؤيدون للجاني والمجني عليه في صخب وجلبة. فكل واحد يمكنه أن يبدي رأيه إن أراد. ويشاور الشيخ الكبير الشيوخ وكبار السن ومن لهم اعتبار في القبيلة ويصدر الحكم دون تحيز ودون رشوة وهو حكم نهائي. ويغرم الجاني في الحال يدفع عدداً من رؤوس الماشية الصغيرة أو الإبل أو يحكم عليه بالنفي. وفي حالة الغرامة يرسل رئيس المحكمة منفذين للحكم لحجز أية مواشي للجاني تستوفي الدين. والبدو الفقراء عنيدون في الدفع ويعتقدون دائماً أنهم غير قادرين عليه. ولهذا يمكن أن نجد في كل قبيلة أسراً تأوي منفيي قبائل أخرى. ونادراً ما يخطيء القاضي ومجلس كبار السن في هذه المجتمعات القرائبية الصغيرة التي تكون فيها حياة الفرد منذ طفولته كتاباً مفتوحاً، وحالة معروفة غاية المعرفة للآخرين. وحتى الفصل في القضايا سريع.. فمن النادر ألا يفصل في قضية في جلسة واحدة وعندما تكون التهمة خطيرة ويغيب بعض الشهود تؤجل القضية إلى جلسة أخرى. وليبريء الشخص نفسه من تهمة ظالمة يقول للآخرين: ليس بيني وبينك إلا الله. وهناك أنواع معينة من القسم تعتبر ملزمة بحكم عادات القبائل ولا يخالفها أي رجل له مكانته. وسأذكر القليل منها الذي تأكدت من معرفته. فالبدوي الذي يعهد إليه قروي برعي قطيعه سيتخلى عن قصة زيادة أجره السنوي دون غش ولا يجرؤ على المطالبة بالزيادة إذا رسم حوله القروي حلقة بسيفه. وإذا كان الراعي غائباً في منزل الرعاة فإن صاحب البهائم أو التي ضلت طريقها قد يطلب من الراعي أن يقسم على ضياعها فيفعل. @ التراث الشعبي في أدب الرحلات