تنشط حكومة غرب إقليم دارفور السوداني هذه الأيام، في مشروع كبير لإزالة الظواهر السالبة بعاصمة الولاية الجنينة، ويتصدر المشروع إعادة تنظيم السوق الكبير وسط المدينة، الذي يضم بداخله مجالات شتى من قطاع التجارة أبرزها سوق السلاح بانواعه المتقدمة، حيث يباع السلاح هناك بشكل علني وأحيانا (يفترش على الأرض) مثل أية سلعة مشروعة، حتى ان بعض الأهالي يمزحون حول الوضع بالقول إنه لم يتبقَ للبائعين الا ان ينادوا بصوت عال على بضائعهم كما يفعل مغنو منولوجات (بنت اللحظة) في اسواق الخرطوم المكتظة. وحكاية أسواق السلاح وانتشارها ليست حكرا على سوق الجنينة العتيق، فهي قضية ظلت منذ سنوات طويلة، من اكبر مهددات السلام والاستقرار في الإقليم المضطرب، لكن القضية الآن اكثر لفتا للانتباه مما في السابق، فقد تسبب طول الشريط الحدودي مع الدول المجاورة الذي يبلغ طوله 1300كيلو متر في دخول كميات كبيرة من السلاح من دول الجوار والدول الأخرى إلى دارفور ويقدر البعض كمية السلاح الموجودة بدارفور حالياً بأكثر من مليون قطعة سلاح من النوع المتطور. وهذا أدى إلى نتيجتين هامتين هما سهولة الحصول على السلاح، وازدهار تجارته بين مواطني المنطقة فضلا عن أن حمل السلاح هناك يعتبر سمة اجتماعية. في الجنينة عاصمة غرب دارفور، بدأت السلطات هذا الاسبوع حملة واسعة لتنظيف السوق الكبير بقيادة معتمد المحلية الدكتور فضل الله أحمد عبد الله، ونجحت الحملة في ازالة اكبر تجمع لبيع السلاح والذخيرة في سوق الجنينة الكبير، جوار مقر المحلية، بيد أن سرعان ما عاد السوق في مكان آخر، ولكنه هذه المرة بشكل محدود. يقول معتمد الجنينة ل (الرياض) إن أسباب نشوء السوق تعود للوضع في دارفور خلال الخمس سنوات الماضية، حيث ظلت القوانين واللوائح معطلة، وفشلت المحلية في القيام بأي دور لإنهاء نشاط السوق الذي كان يتسع. ويتحدث المعتمد عن الآثار السالبة لسوق السلاح في مدينته، حيث نشطت تجارة المخدرات والخمور بشكل متزايد، مما دفع بالسلطات في المحلية لإزالة السوق وتنظيفه وإعادة تنظيم السوق من دون وجود البضائع غير المشروعة، ورأى أن الوضع الآن قد تغير كثيرا. واقر المعتمد بصعوبات كبيرة تواجه عملية إزالة السوق، وقال إن الحملات الأولى أدت إلى وقوع ضحايا وخسائر بين صفوف الشرطة، لكنه يشدد على عزم محليته فرض هيبة الدولة، وسيادة حكم القانون، وقال إن السلطات في الجنينة تدرك أن السوق يمكن ان يتحول إلى اماكن اخرى، لكنه أكد إستمرار السلطات في ملاحقة تجار السلاح ووقف تجارتهم غير المشروعة. وأعرب عن إطمئنانه للوضع حاليا، فقد باتت ظاهرة حمل السلاح بين المواطنين في إحياء المدن او السوق قليلة، كما بدأ بائعو السلاح في الاختباء خشية تعرضهم للمساءلة، وكل ذلك يشير إلى تحسن الوضع. لكن القضاء تماما على ظاهرة إنتشار السلاح، تبدو مهمة أكبر من القيام بحملات إزالة أسواق السلاح والذخيرة، فالحالة التي أفرزتها الحرب في دارفور، وتاريخها القديم مع انتشار السلاح، شجع القبائل بدون استثناء للقيام بإعداد مليشيات مسلحة تسليحاً متقدماً، وكما أدى هذا لظهور بعض السلوكيات الغريبة على مجتمع دارفور مثل النهب المسلح الذي استشرى في الثمانينات من القرن الماضي وظهور الجماعات التي تسمى بالجنجويد. كما أدى هذا الوضع إلى ظهور الجرائم العابرة للحدود وذلك عن طريق تهريب المواشي المنهوبة خاصة من الإبل والمواشي إلى دول الجوار، وتطور النهب المسلح إلى ما يشبه الجريمة المنظمة في تخطيطها وتنفيذها وشارك في هذا المنفلتون من شتى القبائل بمختلف انتماءاتهم العرقية من خارج وداخل السودان ونتج عن ذلك إضافة أعباء جديدة على الدولة كجهة مسؤولة عن استتباب الأمن. وتواجه عملية جمع السلاح في دارفور التي يفترض ان تنفذها مفوضية معنية بنزع السلاح والتسريح واعادة الدمج، بصعوبات عديدة، مع وجود حاملي السلاح من الحركات الموقعة على اتفاقات السلام، وافرازات الاوضاع الامنية في تشاد، وغياب الشعور بالأمن لدى المواطنين، كما لايمكن تنفيذ البرنامج الذي يطلق عليه اختصاراً ال DDR، بصورة قسرية ولا يتم إلا بقناعة المجموعات والقبائل في دارفور. ويمثل جمع السلاح الخطوة الاخيرة التي لا بد ان يسبقها تحقيق الأمن وتقديم الخدمات والمشروعات البديلة والتوعية ببرنامجDDR . ويرى بعض المراقبين ان جمع السلاح بدارفور يتطلب ثلاثة شروط هي تحقيق الامن والاتفاق لجمع السلاح بالتراضي ودفع التعويضات للذين تعرضوا للموت او الاصابة جراء إطلاق النار. ووفقا لعضوة البرلمان الأستاذة مريم تكس وهي قيادية بحركة تحرير السودان الموقعة على اتفاق سلام مع حكومة الخرطوم، فإن برنامج DDR، يعمل في مسرح هش من جميع النواحي، فالبرنامج يتعلق بالمجتمعات المتأثرة بالحرب وتقديم مشروعات تنموية لها وتخفيف التوتر، واستيعاب الافراد الذين كانوا منضوين في مجموعات موقعة على إتفاق السلام. وترى تكس، أن حركة تحرير السودان وهي أكبر الحركات الموقعة على إتفاق بأبوجا عام 2005م، ما تزال متحفظة بشأن تنفيذ برنامج ال DDR، ويرى البعض في قيادات الحركة ضرورة التعامل مع قضية السلاح من داخل إتفاقية الترتيبات الأمنية، وبعض المجموعات تربط تسليم أسلحتها، بنزع سلاح الجنجويد. وتقول تكس ل (الرياض) ان ظاهرة اسواق السلاح لم تتوقف على القطع الصغيرة، وإنما تعدت لتشمل مجالات أخرى من تجارة السلاح المتقدم، وورش لاعادة تصنيع السلاح وابتكارات وتعديلات واستيراد أجهزة اتصالات متقدمة، ويشارك في ذلك كل اطراف الصراع. وانتقدت الحملات التي تقوم بها السلطات المحلية لجمع السلاح، ورأت ان حكومات الولايات ليس لديها القدرة الكافية لمعالجة مثل هذه الأزمة، ودعت الحكومة المركزية إلى تشكيل لجنة لمراقبة الوضع بدارفور تشارك فيها كافة الجهات ذات العلاقة.