انفجرت سيارة بالقرب من صالة لبيع الآيس كريم، مرسلة كتلة من اللهب والشظايا التي غطت مساحة واسعة في وسط بغداد وأدت إلى مصرع (17) بريئاً. كان ذلك انفجاراً مميتاً آخر لكن العالم الخارجي سينساه بسرعة كما نسى حوادث أكثر دموية منه من قبل. ولكن الأول من أغسطس 2007غيّر مجرى حياة مايسة شريف( 28عاماً). أنه اليوم الذي أصبحت فيه واحدة من ما يقرب المليون من النساء العراقيات اللاتي فقدن أزواجهن. هذه الأعداد الهائلة من الأرامل من شأنه أن يثقل كاهل أي مجتمع، وأكثر من ذلك كاهل العراق. وفي ظل غياب مظلة اجتماعية وقلة فرص العمل لا يوجد خيار أمام غالبية الأرامل سوى العيش مع عائلتهن الممتدة والاعتماد على ما يجود به الأقارب وأولي الأرحام. مايسة كانت حاملاً في شهرها الخامس عندما هز ذلك الانفجار منزلهم في وسط بغداد.تركت مايسة وجبة الإفطار التي كانت تعدها لصغارها وهرولت نحو موقع الانفجار حيث يدير زوجها 39عاماً كشكاً لبيع السجائر لتقع عيناها على الفاجعة : الزوج مخضب بدمائه وفاغراً فاه جثة هامدة على أرضية صلبة. تقول مايسة وهي تغالب دموعها وهي تصف ذلك المشهد الذي زلزل كيانها "الشظايا اخترقت جسمه وصدعت رأسه . عيناه مفتوحان كأنهما تسألان:ماذا جنيت وفمه فاغر تجمدت الكلمات في حلقه". "أردت إسبال جفنية لكن الشرطة جرتني بعيداً خوفاً من وقوع انفجار ثان". ويستمر كابوس مايسة. ابنها سيف صاحب السبعة أعوام ذهب للعمل مع والده ولكنها لم تعثر على أثر له ولم تعلم حتى تلك اللحظة بأنه غادر الحياة مع أبيه في المستشفى. وتصف مايسة تشييع جثمان رفيق دربها "استدارت قافلة المشيعين لزوجي وعادت إلى المستشفى لتضع فلذة كبدي سيف إلى جانب والده في تابوت واحد"."لم يدعوني أراه أو أشارك في التشييع لأنني حامل. لم اصدق أن سيفاً قد رحل حتى رأيت شهادة وفاته". لمايسة ثلاثة أطفال آخرين علي، 10سنوات، وتبارك، سنتان، والرضيع عبد الله الذي اختار له والده اسمه قبل ليلة من مصرعه. تعيش مايسة في غرفة واحدة خصصها لها شقيق زوجها في مجمع وسط بغداد. وتقول سميرة الموسوي النائبة بالمجلس الوطني العراقي أن عدد الأرامل في العراق وصل إلى 738.240وتتراوح أعمارهن ما بين 15إلى 80سنة في الأول من يناير 2007غير أن وزيرة شئون المرأة نيرمين عثمان تقدر الرقم ب 1.3مليون أرملة. الموسوي المهندس الجيولوجي الذي تحول إلى سياسي تقول إنها غرقت في سيل من طلبات المساعدة من أرامل ومطلقات من بينها 448طلباً وصلت إلى مكتبها مؤخراً وكانت الموسوي قد تقدمت إلى المجلس بمشروع قانون لتخصيص مليون دولار في ميزانية الدولة، جزء ضئيل من ميزانية الدولة الغنية بالنفط والتي تقدر ب 48مليار دولار، لتعليم الأرامل ورفع مهاراتهن ومعاشاتهن الضئيلة لكن الوزارة رفضت ذلك. وتلوم أم هبة، 38عاماً، نفسها لوفاة زوجها لأنها أرسلته في تلك الليلة المشئومة إلى سوق في بغداد لشراء لبن رائب لوجبة العشاء التي كانت تقوم بإعدادها. وقد قتل الزوج في هجوم بقذائف الهاون في 27يناير 2007"أنا الملومة في كل ما حدث. لو لم أرسله لما قتلوه ولكان على قيد الحياة الآن مع أولاده"، قالت وهي تبكي وتحمل ابنها عامان. وتعيش أم هبة الآن مع ابنها، 7سنوات وابنتها، عامان، في غرفة في الجزء الخلفي من المنزل الذي تتقاسمه مع شقيق زوجها الكفيف وأسرته. وتقول أم هبة إنها تقدمت لعدة وظائف إلا أن طلباتها رفضت رغم أنها تحمل شهادة الثانوية العليا ورغم استعدادها للعمل في وظيفة عاملة نظافة في مدرسة. وبالمقارنة مع أرامل الحرب في عهد صدام نجد أن الأخيرات أحسن حالاً حيث انهن حصلن على قطع أراضٍ من الدولة ورواتب تقاعدية مجزية. قتل زوج جليلة حسن، محمد خادوم في الحرب العراقية الإيرانية في عام 1984وقالت إنها كانت هي في السابعة عشرة من العمر في ذلك الوقت وأنها حصلت على راتب تقاعدي وخيرت بين الحصول على سيارة أو ما يساوي ثمنها فاختارت الثمن. وقالت جليلة "في ذاك الوقت كانت الأرامل يحظين برعاية أفضل مما هن عليه الآن. لم يتركن للعوز". جليلة التي تقيم مع والدها وإخوتها في مدينة الصدر ببغداد تحصل على ما يزيد عن الثمانين دولارا بقليل كراتب تقاعدي شهري ولكن قيمته انخفضت مع انخفاض قيمة الدولار. ووجدت عفيفة حسين، 40عاماً، نفسها مع ثمانية أطفال بعد أن قام مسلحون ملثمون باختطاف زوجها عريبي، 58عاما، وقتله رمياً بالرصاص في 14يوليو في مدينة سامراء. عفيفة نفسها تصارع من اجل توفير الرعاية لاثنين من أطفالها المعوقين وابنة مريضة. وقد ترك ابنها، 19عاماً، الدراسة للعمل على سيارة أجرة من أجل مساعدتها في تربية إخوته وهي مهنة خطرة تحت ظل الاحتلال. ولعفيفة ابنة مراهقة تركت المدرسة لعدم قدرتها على الاستمرار في الدراسة كما أصيب ابن لها بصدمة عصبية عنيفة دفعته للخروج من المنزل والبقاء مع أقاربه لمدة شهر.