عقيدة إسرائيل منذ تأسيسها قامت على مبدأ الإبادة لكل من يعترض أو يقف ضد مشروعها، ومع ذلك فلا تزال تقوم بهذا الدور، ولعل أكبر الإدانات لدولة ما منذ نشأة الأممالمتحدة وحتى اليوم نجد إسرائيل في القائمة الأولى.. فقد قتلت سكرتير الأممالمتحدة برنادوت لأنه نطق بما يفرضه عليه القانون الدولي وشرف المهنة، وتتالت الاغتيالات والإبادات منذ حادثة مدرسة بحر البقر ومحاولة اغتيال السفير الأمريكي بالقاهرة إلى مذابح صبرا وشاتيلا، وقانا، واغتيال أعضاء القيادة الفلسطينية في بيروت، واستهداف آخرين في تونس، إلى آخر طفل في الأسرة المنكوبة التي تلقت على فطور الصباح أول أمس قذيفة أبادت الأسرة عن آخرها، لتكرار نفس الصورة مع محمد الدرة على أرض فلسطين.. كانت الأممالمتحدة ومجلس الأمن يقفان بحزم من أي اعتداءات دولية أثناء القطبية السوفييتية الأمريكية، وكان السكرتير العام للمنظمة قادراً أن يعلن صوت القانون، لكن بعد زوال الاتحاد السوفييتي صمت الجميع إلا بطرس غالي الذي نال على جرأته عدم التجديد له مرة أخرى.. أمريكا تعدُّ على قائمة الدول الحديثة في شن الحروب والإبادة المستمرة بدءاً من أمريكا الجنوبية، مروراً بفيتنام، ووصولاً إلى العراق وأفغانستان، وطالما هي حامي الفضيلة بما تعتقد أنه الإجراء التصحيحي بالجراحة الدامية لأي دولة أو شعب في العالم، فهي تتماثل مع إسرائيل سواء بالأفكار والمبادئ، أو ما يبيحه قانونها الخاص في خلق الفوضى الخلاقة.. إذن إسرائيل اكتسبت حقها من العفو العام الأمريكي، وهنا لم تجد أوروبا حرجاً في صمتها، ولا أحد يطالبها بمواقف واضحة، طالما المهمة موكلة إلى السيد الكبير، وهذا الاعتزال السياسي أكسبها مناعة ضد النقد واللوم، أو حتى فعل ما، مع أن أسلحتها التي هزمت بها العرب ووجودها أصلاً في نشأتها الأولى، وبناء مفاعلاتها النووية، والمعاملة الخاصة التي تحظى بها علمياً وأمنياً وحتى في تبادل المعلومات الاستخبارية، هي أوروبية المولد، والأصل، والوجود.. مناظر الجثث التي تكشفها يومياً وسائل الإعلام في غزة والضفة الغربية لا تحرك الضمير العالمي، لأن آسيا تعتبر ما يحدث مشكلة عربية - إسرائيلية، وافريقيا كالعرب يصارعون وجودهم، واللاتين في أمريكا الجنوبية يعالجون آخر مآسيهم مع أمريكا بالهروب إلى اليسار، كبديل موضوعي.. في هذه الأجواء ولدت الحركات المتطرفة بأجنحتها واشكالية اليسارية أو الدينية، لأن لكل رد فعل ما يساويه، وهنا أصبحت قضية فلسطين وحماية إسرائيل تحديداً هدفاً حاضراً في المؤسسات الأوروبية والأمريكية، ونجدها ظاهرة للعلن في الانتخابات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحتى الرؤساء في حلف الأطلسي يعتبرون على أولويات منشأتهم حماية إسرائيل، ثم يأتي موضوع السلام، فقد تعلمنا من تجربة الدول التي اعتمدت هذا الاتجاه، وأرسلت سفراءها، واستقبلت مثيلاً لهم من إسرائيل، عجزوا أن يشكلوا قنطرة سلام على نفس المنوال وهذا لا يفسر على طبيعة أن العرب ضد السلام، وإنما لأن إسرائيل تحتمي بقانون القوة وتستند على الغرب، وبالتالي فهي ليست ملزمة بقبول أي بند إلا بشروطها، وهنا الإشكال والمشكل..