تواترت الأخبار في اليومين الماضيين عن الحراك الذي يجري داخل أروقة اتحاد الكرة باتجاه إشهار دوري المحترفين في الموسم المقبل ليتماس مع متطلبات الاتحاد الآسيوي الذي هددنا غير مرة بالإقصاء من دول النخبة الكروية في القارة ما لم نكن محترفين (بحق وحقيق)!. إصرار الاتحاد القاري على دخولنا في منظومة المحترفين مقابل الاستمرار في دوري الأبطال يعني ببساطة أننا وطوال عقد ونصف العقد لم نكن نطبق الاحتراف كما كنا ندعي، بقدرما كنا نمارس الاحتراف على طريقة (طقها والحقها)، وأخشى ما أخشاه أن يتواصل احترفنا المقنع حتى مع تقديمنا للاتحاد القاري كل آيات السمع والطاعة. دخولنا في عالم الاحترافي الحقيقي الذي يدعونا إليه الاتحاد القاري يجب ألا يكون مجرد شكل خال من المضمون ،بل يجب أن يكون الاحتراف في منظومتنا الكروية مبنى ومعنى ،وهذا يتطلب إعادة صياغة لكثير من المفاهيم والنظم، فضلا عن أهمية تهيئة الكوادر الإدارية والفنية ذات العلاقة مع دوري المحترفين بدءا من لجنة دوري المحترفين باتحاد الكرة، ومرورا بمسؤولي الأندية ولاعبيها وليس انتهاء بالعاملين في الملاعب،إذ يجب أن يتعاطى كل من له أدنى علاقة بمنظومة دوري المحترفين بفكر احترافي حقيقي. وحينما أصف حال احترافنا الذي بدأناه منذ النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي باحتراف (طقها والحقها)، وهو التوصيف العامي الدارج للدلالة على غياب القوانين واللوائح التي تنظم عمل ما عملاً علمياً ، فأنا لا أذهب بذلك بعيدا،فالشواهد على غياب الفكر الاحترافي العلمي في كل منظومتنا الكروية واضح، ولا يمكن لأحد أن ينفيه ،سواء من حيث التشريعات التي تصوغها لجنة الاحتراف، والتي تقوم على طريقة المحاولة والخطأ أو المنهج التجريبي الذي جعلنا ندور وطوال خمسة عشر عاما في حلقة مفرغة أو من حيث التطبيق،فليس المطبق في احترافنا بأفضل حالاً من المشرع ، فمسؤولو الأندية، وكذلك اللاعبون شركاء في فشل تجربتنا الاحترافية الماضية يوم أن حولوا الاحتراف لوظيفة لمن لا وظيفة له،والأدهى من كل ذلك أن أنديتنا التي لم تكن قادرة على دفع راتب شهرين متتالين ،ولا على فرض تدريب صباحي، أسوة بكل خلق الله المحترفين في العالم، تدعي أنها تطبق الاحتراف وتمتلك لاعبين يعملون تحت وظيفة محترفين!. واحتراف (طقها والحقها) ينسحب حتى على ملاعبنا ومن يرتبطون بعلاقة بها من موظفين ورجال أمن وإداريي أندية ورجال إعلام وجماهير، فالتنظيم داخل الملاعب خاضع لأمزجة مسؤوليها ،فما هو ممنوع في هذا الملعب مسموح في الملعب الآخر، وما هو مرفوض هنا، مغضوض الطرف عنه هناك، أما تعاطي رجال الأمن فلا يحتاج الى إسهاب في الحديث أو إعياء للنفس، ففي قضية ( بدر رافع الخبر اليقين). ولعل المعاناة التي يواجهها الصحفيون في استاداتنا الرياضية من طريقة التعامل الفج معهم وغياب التقنية الحديثة، يحكيها انحسار كثير منهم عن الحضور للمباريات إذ أمسوا ينأون بأنفسهم عن الحضور للملاعب فراحوا يتسمرون خلف شاشات التلفزيون بحثا عن مادة سهلة بعيدا عن (الشرشحة والبهدلة) اللتين لا تليقان بمكون أساسي من مكونات العمل الرياضي . أما مآسي جماهيرنا الرياضية فحدث ولا حرج فهي تبدأ بالمدرجات الإسمنتية التي لم تعد موجودة حتى في ملاعب الدول الفقيرة ولا تنتهي بغياب أبسط وسائل الترفيه والمتعة التي نشاهدها في ملاعب العالم المتطور. كل ذلك وأكثر غيض من فيض مآسينا الاحترافية ، فهل تبادر لجنة دوري المحترفين لإزالتها أم تبقي الحال على ما هي عليه، ليبقى احترافنا ماضياً على طريقة (طقها والحقها) رغم أنف الاتحاد القاري .