وتخطط المملكة وفق رؤى اقتصادية حكيمة مدروسة بعمق تصعيد حصتها من السوق العالمي للبتروكيماويات من مستوى 7% حالياً إلى 12% وذلك خلال السنوات الخمس القادمة ومن ثم الاتجاه بكل قوة لرفع حصتها إلى 20% من إجمالي الإنتاج العالمي للبتروكيماويات بحلول عام 2020م في ظل مقومات هائلة متدفقة تتوافر بشكل متجدد من فترة لأخرى حيث تشكل نسبة استثماراتها في صناعة الكيماويات والبتروكيماويات في السنوات الخمس المقبلة 63% من إجمالي استثمارات يتجاوز حجمها 450مليار ريال ما يعادل 120مليار دولار في منطقة الخليج العربي فقط واستحواذها على نسبة 75% من إنتاج البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي الأمر الذي يدفع الخطط الموضوعة قدماً لاستحواذ أكبر النسب في سوق البتروكيماويات العالمي بكل جدارة واستحقاق. وتلك الخطط المرسومة لم يكن لها أن توضع لولا براعة الصناعات السعودية ونفوذها المكتسب بعد استطاع أكبرها أن يتبوأ المركز السابع كأكبر منتج للبتروكيماويات على مستوى العالم ورابع أكبر الشركات المنتجة للبولي أوليفينات والثالثة في إنتاج البولي إيثيلين والمركز السادس كأكبر منتج للبروبيلين والمنتج والمُصدِّر الأكبر والوحيد لليوريا الحبيبية على مستوى العالم وأحد كبار منتجي الأولفينات في العالم وتتبوأ المركز الثاني عالمياً في صناعات مثيل ثالثي بوتيل الإيثر والميثانول وجلايكول الإثيلين. في وقت تتجه المملكة فعلاً لتزعم إنتاج البولي إثيلين على المستوى العالمي من خلال مضاعفة الطاقة الإنتاجية الحالية البالغة نحو خمسة ملايين طن متري سنوياً لتصل إلى أكثر من 10ملايين طن متري سنوياً مجدول بدء إنتاجها مابين أعوام 2009م و2012م وتشمل تنفيذ العديد من التوسعات للمصانع القائمة حالياً وبناء مصانع ضخمة جديدة متعددة للبولي إثيلين في الجبيل وينبع على حد سواء يقدر حجم استثماراتها لوحدها بأكثر من 30مليار ريال وأبرزها مشروع مجموعة دلتا السعودية المتضامن مع شركة بريتيش بتروليوم للبتروكيماويات "إنوفين" البريطانية والتي قررت إنشاء مصنعين جديدين في الجبيل الصناعية لإنتاج البتروكيماويات "مشتقات البولي ايثيلين والبولي بروبلين" على أحدث المستويات العالمية وذلك بتكلفة إجمالية تبلغ حوالي 18مليار ريال وبطاقة 2.1مليون طن متري سنوياً ويتوقع أن تكتمل أعمال المصنع الأول في أواخر العام الجاري 2008م هذا فضلاً عن تهافت عشرات الشركات السعودية لاقامة صناعات جديدة للمنتج ذاته وتشمل شركات سابك وسبكيم والصحراء والتصنيع وشيفرون وكيان ومشروع ارامكو في بترورابغ وسابك في أوروبا والصين. في الوقت الذي أكدت التقارير الاقتصادية الدولية بأن دول الشرق الأوسط الذي تتزعم المملكة اقتصادياته تتطلع لاستحواذ حصص مضمونة من الإنتاج العالمي للبتروكيماويات الأساسية والبوليمرات وأبرزها الإثيلين والبولي إيثلين لتتصاعد خلال عام 2010م إلى أكثر من 20% وسوف يتضاعف حجم إنتاج الإيثيلين في الشرق الأوسط خلال الخمس سنوات المقبلة من 13مليون طن متري في عام 2007ليصل إلى أكثر من 29مليون طنا متريا في لعام 2012م وهذا ما يمثل تقريبا نصف نمو حجم الإنتاج العالمي خلال نفس الفترة والمنطقة ساعية للتحول إلى مركز رئيسي للصناعات البتروكيماوية في العالم حيث تنتج المواد الأساسية لأنظمة التغليف ومستلزمات العناية الصحية والشخصية والمنتجات الإلكترونية ومواد البناء بالإضافة إلى غيرها الكثير من المواد الصناعية أو الاستهلاكية. ومثل تلك التطورات التي تجري في منطقة الشرق الأوسط تعتبر الأكبر من نوعها في العالم حيث أن تلك المنتجات تشكل المواد الأولية للصناعة في العالم وسيتم تصدير كميات كبيرة من الإنتاج الجديد إلى الأسواق المزدهرة في الصين والهند. ويعتبر الإيثيلين العنصر الرئيسي في الصناعات البتروكيماوية ويتم استخراجه من الغاز في الشرق الأوسط بكلفة معقولة وهو ما يعتبر من الميزات في المنطقة. ويشكل سعر النفط الذي تجاوز 100دولار للبرميل الواحد عبئاً على صناعة البتروكيماويات ويمكن أن يسهم في إبطاء حركة النشاط الاقتصادي خلال السنة المقبلة في أسواق مهمة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين بينما تستمر الضغوط التشريعية والبيئية أيضا. وتلك الطفرة الهائلة في صناعة البتروكيماويات بالشرق الأوسط تقودها بكل ريادية الصناعات السعودية التي تنعم بأكبر المدخرات الهيدروكربونية وكافة المواد الخام واللقائم المغذية للصناعات التي نتج عنها ثورة في قيام العشرات المضاعفة من الصناعات التحويلية الإستراتيجية التي تجاوزت استثماراتها 100مليار ريال مستغلة الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة المتميز الذي يتوسط أهم أسواق العالم الرئيسية المؤثرة خاصة وأن صناعة البتروكيماويات في المملكة تحظى بمزايا تنافسية كصناعات ديناميكية تتميز بتكاثر وتعدد منتجاتها وتركيباتها واتساع تطبيقاتها في شتى نواحي الحياة المعاصرة الأمر الذي منحها دون أدنى شك مزيد من القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية. وما يدعم تلك التوجهات إقدام القطاع الخاص السعودي الضخم وسعيه بكل ما أوتي من قوة للتشبث بالفرص الاستثمارية المتاحة في المدن الاقتصادية والصناعية الجديدة التي الآن في طور التشييد والبناء التي ستفرز نشاطاً اقتصادياً ضخماً إضافة إلى إيجاد فرص استثمارية ضخمة لقطاعي الإنشاءات ومواد البناء حيث يتوقع أن تساهم مدينة الملك عبدالله الاقتصادية لوحدها بنحو عشر الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الإنشاءات وذلك فقط خلال مراحل تشييدها واكتمالها حيث ستضيف المدينة الصناعية في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وحدها التي تبلغ مساحتها 63كيلو مترا مربعا نحو 2500شركة صناعية حيث تم تخصيص مساحة قدرها 2.4مليون متر مربع لصناعات البلاستيك في المجمع الصناعي في رابغ، وسيتم إنشاء ميناء بحري في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بمساحة تبلغ 13.8كيلو متر مربع كأضخم ميناء في المنطقة وبطاقة تستوعب أكثر من عشرة ملايين حاوية ليصبح أحد أكبر خمسة موانئ عالمية . وأشارت دراسات اقتصادية عميقة بأن المدن الاقتصادية السعودية ستسهم في ازدهار وتنمية الحركة الاستثمارية إجمالاً في دول الخليج التي تتأهب شركاتها الصناعية والتجارية والخدمية وقطاعاتها الخاص للعمل بجد وتنسيق تام مع أقرانهم في السعودية للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في هذه المدن حيث من المناسب أن تعمل شركات المقاولات في دول المجلس على تطبيق أي نوع من أنواع الاندماج للاستفادة من اقتصاديات الحجم والمنافسة في سوق يصعب على الشركات الصغيرة المنافسة فيه إذ إن هناك العديد من الشركات الخليجية لها باع وخبرة طويلة في هذا المجال فقط تحتاج إلى التنسيق والعمل في شكل تحالفات لتحصل على حصة كبيرة من المشاريع المتوافرة في المملكة وفرصها الاستثمارية الكبيرة في مجالات صناعية متنوعة كصناعات الألمنيوم والفولاذ والأسمدة الزراعية والصناعات البتروكيماوية. وبالتالي يمكن للمستثمر الخليجي والشركات الصناعية الاستفادة من هذه الفرص في إقامة صناعات تستفيد من اللقيم (المواد الخام) التي تتوافر من الصناعات الأساسية والثانوية وخاصة الصناعات البلاستيكية والتعدينية والصناعات الكيماوية ومؤكدة تلك الدراسة الحديثة أيضاً ما تمتاز به المملكة من مناخ جاذب وميزة تنافسية في العديد من المجالات الصناعية كالصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة وبنية تحتية متطورة وكثافة سكانية كبيرة، يتيح للمستثمر الخليجي وفي ظل دخول اتفاقية السوق الخليجية المشتركة حيز التنفيذ ابتداء من العام الجاري، وأن يتجه وبقوة إلى الاستثمار في الفرص الضخمة المتوافرة في المدن الاقتصادية في السعودية، فمدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز الاقتصادية وحدها يبلغ حجم الاستثمار فيها 100مليار ريال. وجميع المؤشرات إذا تؤكد بأن تطور قطاع البتروكيماويات في المملكة لم يأت كما هو الحال في دول أخرى رداً على تزايد الطلب على هذه المواد في المملكة بل نظراً لوفرة الإنتاج الغازي في حقول الغاز في المملكة حيث أن 16% من هذا الغاز هو ما يعرف بالغاز المصاحب الذي يحتوي على نسبة عالية من غاز الإيثان وهو الغاز الأهم في صناعة البتروكيماويات خاصة وأن قدرة إنتاج المملكة للبتروكيماويات تزايد بحوالي عشرة أضعاف منذ انطلاقتها في العام 1985إذ بلغ حجم إنتاج هذه المواد نحو 55مليون طن في العام الجاري 2008م صعوداً من 3.7مليون طن في العام 1985ويتوقع أن يرتفع حجم الإنتاج ليصل إلى 70مليون طن في العام 2010م. وسوف يبلغ حجم الاستثمارات في قطاعات الهيدروكربون الفرعية من صناعة البتروكيماويات 94.4مليار دولار وسيبلغ حجم استثمارات صناعة البتروكيماويات السعودية في هذه القطاعات 40.6مليار دولار إضافة إلى أن عدد المشاريع الجديدة في صناعة البتروكيماويات في المملكة سيبلغ في السنوات القليلة المقبلة 569مشروعاً. وما يبشر بالخير من ناحية قدرة المملكة على تحقيق حلمها هو سعيها بكل ما أوتيت من قوة لتفعيل خططها التنموية الثامنة ( 2005- 2009) التي ركزت على عدد من الأولويات التي من أهمها رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة وتوفير فرص العمل للمواطنين والتوسع الكمي والنوعي في الخدمات التعليمية والتدريبية والصحية والاجتماعية والتوسع في العلوم التطبيقية والتقنية وتشجيع المبادرات والابتكار وقد شمل هذا التركيز أيضاً مواكبة التطورات الاقتصادية والتقنية العالمية السريعة وتنويع القاعدة الاقتصادية وتحسين إنتاجية الاقتصاد الوطني إلى جانب تعزيز قدراته التنافسية والاهتمام بالمجالات الواعدة كالصناعات الإستراتيجية والتحويلية وخاصة الصناعة كثيفة الاستخدام للطاقة ومشتقاتها وصناعة الغاز الطبيعي والتعدين والسياحة وتقنية المعلومات. كما أولت الخطة اهتماماً في مساهمة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بالاستمرار في تطوير النظم والقواعد والإجراءات ذات العلاقة بالاستثمار والإسراع بتنفيذ استراتيجية التخصيص ومواصلة تحسين كفاءة أداء الخدمات المالية وتكثيف المعونات الفنية لدعم القدرات التنافسية للمنتجات الوطنية، كذلك شمل هذا الاهتمام تطوير منظومة العلوم والتقنية والمعلوماتية ودعم البحث العلمي وتشجيعه والتوجه نحو اقتصاد المعرفة باعتبارها من العوامل الأساسية في زيادة الإنتاج والإنتاجية وتوسيع آفاق الاستثمار، وراعت الخطة تحقيق التوسع المستمر في التجهيزات الأساسية وصيانتها بما يتلاءم مع نمو الطلب عليها ويسهم في تعزيز نمو كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية وتحسين كفاءتها، كما أعطت الخطة اهتماماً خاصاً في زيادة مشاركة المرأة وتعضيد دور الأسرة في المجتمع من خلال تطوير قدرات المرأة السعودية وإزالة المعوقات أمام توسيع مشاركتها في النشاطات الاقتصادية والإنمائية.