قالت لي سيدة أمريكية قبل فترة "لا يسعني سوى أن أعتذر عما فعله رئيس بلادنا الأحمق في العراق".. مثل هذه العبارات والمواقف تتكرر معي باستمرار في كل مرة أقابل فيها مواطنين أمريكيين. فقد ذكر لي رجل أمريكي آخر بأنه يفضل القول بأنه من كندا بدل أمريكا بسبب شعوره بالعار مما تفعله بلاده. من جهة أخرى، فقد اشتكى أحد الآباء الآمريكيين من ابنه البالغ تسعة عشر عاما فقط، الذي صدمه في قراره الالتحاق بالجيش الأمريكي لينطلق العام القادم إلى العراق، بحثا عن المغامرة. وعبر الأب (ويدعى جيري) عن استيائه من الحملات الدعائية التي تبثها القنوات الاعلامية الأمريكية لجذب الأجيال الجديدة للالتحاق بالجيش والبحرية والطيران والتي يعتقد أن لها التأثير الرئيسي في انخراط الشباب في أمريكا في الجيش، فهي تصور لهم المسألة وكأنها مغامرة شيقة تستحق التجربة، وتربط التجربة كلها بالشعور بالوطنية والولاء للوطن والدفاع عنه وتحول كل من يلتحق بالجيش إلى بطل وطني. رغم أن الواقع هو أبعد ما يكون عن ذلك. ولا يستغرب جيري من تحول مسألة الوطنية والدفاع عن الوطن إلى تجارة رابحة (بزنس)، تتحكم فيها الشركات الكبرى، وعلى رأسها شركات تصنيع السلاح، تحتاج بين فترة وأخرى إلى حروب واضطرابات لتصريف بضائعها. الغريب أن عدداً كبيراً من الشعب الأمريكي يرى هذه الحقائق بكل هذا الوضوح ويعارض التحاق أبنائه بالجيش، ويشعر بالخزي والخجل مما يفعله رؤساؤه وصناع القرار فيه في العالم، ولكن مايزال انتخاب الأشخاص غير المناسبين فيه مستمراً.. وما زالت السياسة فيه واحدة، رغم أنه بلد يدعي قيامه على أسس الديموقراطية وحرية التعبير عن الرأي.